عندما خرج المحتجون في الجنوب يطالبون بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية المشروعة فرحتُ أكثر ما فرحتُ، لدرجة الوعي المتقدم التي أبانوها وهم يهتفون بحياة الجزائر مبددين بذلك، أوهام المتربصين والخلاّطين الذين اعتادوا على الاستثمار في معاناة الشعب لتحقيق مصالحهم الشخصية الهابطة. لكن، سرعان ما انتابني شيء من الخوف مما هو آت عندما رافع سكان الجنوب عن حقوقهم لا من منطلق الحق فحسب، وإنما بالاستناد إلى كونهم أهل منطقة حباها الله بخيرات تعطيهم، كما يعتقدون، الأفضلية عن باقي المواطنين. ومما لا شك فيه، أن هشاشة الوضع في الداخل وتفجره بدول الجوار، أرغم الحكومة على الاستسلام المطلق لهذا المنطق الأعرج، الذي فتح بالمقابل شهية من يعرفون بأعيان المنطقة للمطالبة بمناصب سامية في مؤسسات الدولة. هكذا إذن، ففي الوقت الذي تسيِّر الديمقراطيات المحترمة شؤون الدولة والسلطات الثلاث بمعايير موضوعية تتصدرها الكفاءة والنزاهة والصالح العام يريد الانتهازيون عندنا أن يتم التعيين في الجهاز التنفيذي بشهادة الميلاد وبالنسب والولاءات. إن مجرد التفكير في اعتماد هذا المنطق لإعداد تلك القائمة المطلبية، يعد خطرا يتهدد الوطن في وحدته ولحمته وأخشى أن يكون في يوم ما، سببا لتأليب أبناء الجنوب على أبناء الشمال ليقف Les sudistes ضد Les nordistes والعكس بالعكس. بل وما يدريك ألا ينتشر هذا التفكير المسموم كداء معدٍ في جهات أخرى من البلاد ليستأثر سكانها، بما لديهم من ثروات شتى، كالتين والزيتون والتمر والحمضيات والفراولة والمواقع الأثرية والحموية ليجعلوها حكرا عليهم دون مواطنين ”كلاندستان” أو من الدرجة الثانية ذنبهم الوحيد أنهم ولدوا، في ولايات فقيرة إلى الموارد الطبيعية الظاهرة والباطنة، وقتذاك سيضيع منا الوطن لا قدّر اللّه، وسيعود الشهداء سائلين: من للجزائر؟ ما أقبح هذا السيناريو، لكنني أتصوره، في ظل محاولات أخرى يسعى أصحابها إلى اختصار تاريخ وطن بحجم القارة في منطقتهم، لا لشيء سوى لأن هذه المنطقة شهدت ذات يوم ميلاد فعل تاريخي ضمن مخطط استراتيجي وتحرري محكم لأبطال آمنوا بوحدة الجزائر من التاء إلى التاء. لقد استشهد رجال هذه الأرض الطيبة - المجاهدة لتكون الجزائر لكل الجزائريين وليتمتع أبناء الوطن السيد، بالكرامة وبالمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بغض النظر عما يميز منطقة عن أخرى أو ما يقوم على اعتبارات ذاتية صرفة. إن انتهاج أي سبيل آخر من شأنه، إطلاق أيدي المتربصين الحاقدين ليشعلوا، وبتبريرات شتى، فتيل الجهوية والفتنة والتفرقة التي يتعهدونها دوما بالرعاية والتي تشكل حاليا، منطلق وغاية المخطط الجهنمي المسمى ”الفوضى الخلاقة”. القارئة: ح.ت.ح تعقيب: بعضهم يرى أن الثروة يجب أن توزع على الكيلومترات المربعة، وليس على أساس عدد السكان، فلا مكان لمنطق تفضيل جهة على أخرى في البلاد، ومن هذا المنطق أيدنا مطالب سكان الجنوب، لكن تأييدنا له لا علاقة له بتأييد جماعة القاعدة التي أعلنت مناصرتها لأبناء الجنوب، فهذا التقارب سيكون وبالا عليهم وعلى مطالبهم المشروعة.