احتفل الجزائريون المقيمون في مدينة أرهوس الدنماركية، في بداية هذا الشهر، بمرور سنة على تأسيسهم جمعية باسم “الشبكة الجزائرية - الدنماركية” التي تحتضن الجالية المغاربية، وتفتح لها باب التواصل فيما بينها والتواصل مع الوطن، حيث تسعى هذه الهيئة إلى التقريب بين المغتربين المغاربيين في تلك المدينة وضواحيها واحتضان احتفالاتهم بالمناسبات الوطنية والدينية، كما تحاول أن توفر لأبنائهم مصدرا للتقرب من ثقافة وطنهم وأخباره وتفاصيل الحياة فيه. أصحاب الفكرة هم مجموعة من الجزائريين، عمر، حميد، كريم، كمال، علي.. ثم انضم إليهم مهاجرون تونسيون ومغاربة وليبيون من المقيمين في أرهوس، وهي ثاني أكبر مدينة في الدنمارك، بالإضافة إلى العديد منهم زوجاتهم دنماركيات، ويحملون جوازات سفر دانماركية ولكنهم في الغالب على اتصال مستمر مع أوطانهم. غير أنهم مع سعيهم إلى تحقيق اندماج إيجابي في المجتمع الاسكندنافي، يحاولون توفير الجو المناسب لأبنائهم كي يتشبعوا بأصولهم الثقافية والدينية، بهدف أن يصبح انتماء آبائهم عاملا إيجابيا في حياتهم فيجعلهم يستوعبون ازدواجيتهم الثقافية بصورة مثمرة. يصر أصحاب هذه الجمعية على التأكيد أنها “شبكة”، حسب التعبير المستعمل في البلد المضيف، أي أنها مفتوحة على الجميع ومتعددة الاتصالات، ما يميزها عن مفهوم النادي المغلق أو الجمعية ذات الطابع الخيري. فهي شبكة تهدف إلى إبقاء تلك الفئة من المغتربين على اتصال مستمر فيما بينهم، للتعاون على تسيير شؤونهم المشتركة كجالية عربية مسلمة. ومن النشاطات التي قامت بها هذه الشبكة، كما يقول رئيسها الحالي، تسيير العملية الانتخابية لمرتين سابقتين بمدينة أرهوس والمدن المجاورة لها، وتنظيم الاحتفالات بالأعياد الدينية، كعيد الأضحى وعاشوراء، وتوفير فطور رمضان للعمال البعيدين عن منازلهم وللعزاب، وتنظيم احتفالات أعياد الميلاد لبعض أبناء المهاجرين بحضور أهلهم وزملائهم من الأطفال الدنماركيين الآخرين، ولديها في الأفق مجموعة من المحاضرات والندوات حول مواضيع تهم مختلف فئات الجالية ينظمها اختصاصيون من المهاجرين الجزائريين ومن مختلف الأقطار العربية. تسعى لتعليم العربية لأبناء المغتربين تسعى هذه الشبكة إلى توفير قسم لتدريس اللغة العربية لأبنائها يتولى مهمة التدريس فيه في البداية بشكل تطوعي، رئيس الجمعية الحالي، حميد سلامي، وبعض الأعضاء الآخرين. وتستعد السفارة الجزائرية حاليا لمدهم بالوسائل الممكنة لإنجاح هذه المهمة. وتسعى الشبكة كذلك إلى تنظيم برنامج من النشاطات الثقافية والاجتماعية التي تهم أبناء وزوجات المهاجرين وترفعمستوى التواصل بين أفراد الجالية المهاجرة وأصدقائهم من المواطنين الدنماركيين الآخرين. يحاول أعضاء الشبكة، كما يقول كمال، أحد المؤسسين والمسؤول عن تسيير المقر، مساعدة المهاجرين المغاربيين والعرب الذين يقعون في مشاكل صحية أو اجتماعية أو مهنية أو مشاكل متعلقة بإجراءات الاندماج. وفي حالة الوفاة يعملون على ربط الصلة مع أهاليهم لتسهيل الإجراءات من أجل إكرام المتوفين، مهما كان ذلك مكلّفا. وعند التنقل بين البلدين يحاولون تبادل تقديم الخدمات في التواصل مع الأهل. كما يحاولون التعاون في القيام بالمعاملات الإدارية مع السفارة الجزائرية في العاصمة كوبنهاغن. تشتغل الشبكة إلى حد الآن بفضل تبرعات المؤسسين ومساهمات الأعضاء وكل أفراد الجالية الذين يترددون على مقرها لمتابعة مقابلات كرة القدم والسهرات حول أخبار الوطن وأحلامهم ومشاريعهم، كعائلات تحاول أن تحقق شيئا من الطمأنينة لأفرادها في البلد المضيف دون أن تقطع صلتها بالوطن الأم. وإذا كان تأسيس الشبكة على يد المهاجرين الجزائريين، فإنها تفتح أبوابها لجميع أفراد جالية المغرب العربي.. وكأن من قدر سكان هذه المنطقة ألا يتوحدوا إلا في الغربة. فهناك تشعر فعلا أن الحدود بين هذه الأقطار لا معنى لها. هم في الأصل “حراڤة” في غالبيتهم، لكن بدأت رحلتهم مع الغربة قبل أكثر من عشرين سنة. وتنقل أغلبهم بين عدة بلدان أوروبية وبين مهن عديدة، ومنهم من سافر من أجل الدراسة ومن ترك وظيفته ومن ترك متجره ومن لم يترك غير فقر الوالدين، ولكن جمعهم حب النظام الديمقراطي هناك. نظام استطاع أن يستوعبهم بالتدريج. لم يفتح لهم أحضانه بسهولة، بل صبروا سنوات طويلة قبل الحصول على الإقامة الرسمية، ثم جواز السفر. كانت الرحلة في البداية للبحث عن حياة أفضل، عن جو اجتماعي افتقدوه في وطن الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. أغلبهم أعاد تكوينه المهني هناك وفق المعايير المحلية، وكلهم يتكلمون ما لا يقل عن أربع لغات: العربية والفرنسية والإنجليزية والدنماركية. فالإنجليزية هي لغة اندماجهم المهني هناك، لكن اندماجهم الاجتماعي يتطلب الإلمام الجيد باللغة الوطنية للبلد المستقبل. وحصولهم على جواز السفر يتطلب معرفة جيدة بتاريخ البلد وقيمه الديمقراطية وقوانين المواطنة. وبعد أن استقرت بهم سفن الترحال على سواحل بلاد الملكة مارغريت، وصارت لهم حياة اجتماعية مستقرة، انتبهوا إلى ما قد يخسروه يوما: الوطن الأم، ذاكرة الطفولة. سؤال العودة سؤال محرج، فالأسباب التي دفعتهم إلى الهجرة، في نظرهم، مازالت موجودة، بل ربما اشتدت حدتها، وفرص الهجرة أصبحت الآن صعبة، مع قوانين جعلت الهجرة بالنسبة لسكان المغرب العربي تكاد تكون مستحيلة الآن.. سؤال صعب وأوضاع مؤسفة. فكلهم يتمنون أن يجد أطفالهم في وطنهم جوا يقترب ولو قليلا من الجو الاجتماعي الذي يعيشون فيه الآن. إمكانياتهم تسمح لهم بتوفير حياة اجتماعية جيدة لأسرهم، وزوجاتهم لا يعارضن السفر معهم، لكنهم يتحرجون من سؤال العودة. ومع ذلك يكاد الحنين يحملهم كل صيف إلى الوطن والأهل. يحاول أفراد هذه الشبكة أن يقدموا صورة نقية عن وطنهم وعن مجتمعهم. يعملون على حث جميع زملائهم على ترقية تجربة الاندماج الإيجابي، وعلى جعل أبنائهم يستوعبون ازدواجيتهم الثقافية وعقيدتهم الاسلامية بصورة لا تقيم حواجز وجدرانا بينهم وبين المواطنين الدنماركيين الآخرين. وربما هذه من فضائل الريح الاسكندنافية. لكنهم يشتكون من تكلفة مثل هذا النشاط، خاصة أنهم يصرون على عدم الخضوع لإشراف الإدارة المحلية وتمويلها، حفاظا على درجة من الاستقلالية. فأجرة المقر تكاد تستنفد كل ميزانيتهم وهم يسعون إلى إشراك السفارة الجزائرية في هذا المشروع والاستفادة من مساعداتها في أجرته وتجهيزه وتزويده بالكتب والمواد الثقافية اللازمة والتعامل معه بشكل رسمي، بحيث يمكن أن يصبح واسطة بينها وبين مدينة أرهوس والمنطقة المحيطة بها بالنسبة للمعاملات الإدارية التي تخص الجالية الجزائرية. أحلامهم كثيرة وجميلة وهم في بداية مشوار لا يمكنهم إيقافه، فأبناؤهم يكبرون والعمر يتقدم بهم، وأوضاعهم الاجتماعية لم تعد تتحمل التردد أو الارتجال أو المغامرة. لذلك هم يصرون على التواجد في وطنهم الاجتماعي والمهني بشكل يحقق لأسرهم التوازن والاستقرار وفي الوقت نفسه يدافعون عن خصوصيات هويتهم وهوية أبنائهم. والجميل في كل ذلك أن هذا الوضع يكاد لا يخلق أي مشاكل مع زوجاتهم المواطنات، بل هن أيضا يتفهمن الوضع ويدافعن عن خيارات أزواجهن وعن التعددية الثقافية لأبنائهن التي أصبحت الآن تنوعا في ثقافتهن هن أيضا.