يقول ابن عطاء الله السكندري: “تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال“ الأحوال جمع حال، والحال هو الوضع الذي يمر بالإنسان ثم يتجاوزه دون أن يستقر لديه. والأحوال تنقسم قسمين، أحوال نفسية و أخرى اجتماعية، ونبدأ بالأول منهما: وإنما نعني بالأحوال النفسية ما اصطلح عليه علماء السلوك أو المهتمون بالتربية القلبية الموصلة إلى الله.. وهي عبارة عن مشاعر داخلية تمر ولا تستقر ،تأتي نتيجة وقوف وتأمل، عند بعض صفات الله تعالى و أسمائه الحسنى، إذ تتأثر النفس بتلك الصفات، ما يدفع صاحبها التي تتناسب وذلك التأثير الذي هيمن على نفسه.. ففي الصالحين مثلا من يغلب عليهم الوقوف عند صفات الرحمة والكرم و الإحسان والمغفرة وسعة العفو، وكلها صفات منبثقة من أسماء الله الحسنى، فيتصرف بتصرفات دينية ذات طابع جمالي قائمة على أساس راسخ من حسن الظن بالله. وإذا ذكّر الناس بالله لم يذكرهم إلا بالكثير من فضله وعطائه وآلائه ومغفرته وعفوه، وإذا اتجه إلى الطاعات والعبادات فبدافع من هذا الشعور يتجه، ويغلب على هذه الحال أن يكون اجتماعي النزعة وأن ينعكس إليه طيف من هذه الصفات نفسها، فتكون أعماله منبثقة عنها. وفي الصالحين من يغلب عليهم والوقوف عند صفات القهر والعقاب والسلطة والإلهية الواسعة النافذة، والعقاب الذي توعد به المسرفين والظالمين ،فيتصرف تصرفات دينية ذات طابع جلالي قائمة على أساس من تغلب الخوف، والشعور بالتقصير وسوء الحال، لا سيما إن كان ممن له ماض يتصف بالشرود والابتعاد عن أوامر الله والانغماس في الآثام والموبقات. فهذه الأوضاع النفسية تسمى أحوالا، إذ هي تعرض لصاحبها ثم تمر وتمضي ثم قد تعاوده مرة أخرى. على أنه لا يوجد ميقاتٌ محدد لبقائها، فقد يطول أمد بقائها وقد يقصر. كان في الصالحين مثلا من تمر به الليالي الكثيرة دون أن تغمض له عين لرقاد كداود الطائي. وكذلك الفضيل بن عياض الذي وقف في عرفة مع الحجيج، دون أ ن يدعو كما كانوا يدعون.. إذ انتابته حالة تذكره بماضيه الذي كان مسرفا فيه على نفسه،جعلته نهبا لمشاعرٍ من الخجل من الله عز وجل، حجبته عن الانشغال بالدعاء والأوراد والأذكار. ...(يتبع) المرحوم الشيخ سعيد رمضا ن البوطي