أصبح التردد على ميناء بوهارون، بولاية تيبازة، من التقاليد التي ترسم ملامح خرجات العائلات الجزائريين، خاصة في نهاية الأسبوع، بعد أن اكتسب المرفأ السياحي الطابع الترفيهي، في غياب مناطق خاصة للترويح عن النفس بالعاصمة، خاصة في ظل الضغوطات النفسية التي يعيشها الجزائري. القاصد بوهارون لا يستطيع التنازل عن زيارة مينائها المشهور والتمتع بأطباقه المتنوعة من الأسماك التي تشتهر بها المنطقة.. هي فسيفساء شهية لثروة سمكية تستقطب الزائرين من مختلف المناطق. انتعاش كبير تصنعه رائحة البحر وسمك السردين الدخول لهذا الميناء العتيق ذي الطابع المعماري الفريد، يجعلك تحس بانتعاش كبير وسط رائحة البحر والسمك ورائحة الشواء المنبعثة من المطاعم المتراصة على حافتي الميناء، وما يزيد من صناعة ديكور البحر، هو العمل الدؤوب للصيادين الذين جلسوا على رصيف الميناء أمام زوارقهم لتفكيك الشبكة استعدادا لرحلة اصطياد السمك. اقتربنا من أحد الصيادين لمعرفة تفاصيل يومهم في رحلة الصيد، حيث أكد لنا ”محفوظ.ك”، أنه بدأ بممارسة صيد السردين منذ القديم، أي منذ أن كان سنه لا يتعدى ال 10 سنوات، وأن الاستلهام الذي يحمله السمك يأتي أساسا من الرائحة المميزة لهذا النوع رغم نفور العديد منها. إلا أن عشق المهنة يجعلك تنساق بشعور غير إرادي لهذا النوع من الأسماك، خاصة عندما يتحول إلى مصدر رزق للعديد من الصيادين في هذا الميناء. كما أصبح مصدر رزق التجار الصغار وعشرات العائلات في هذا الميناء الذي يعتبر العصب الحيوي لسكان المنطقة. رحلة صيد من الساعة الثامنة ليلا إلى الساعات الأولى من الفجر هي حركة دائبة ونشاط كبير وشبان يعملون بجد يقومون بسحب الشبكة التي استعلمت ليلا في صيد السردين، ويتلقون الأوامر من القائد بأن يسحبوا الشباك جيدا حتى لا تتمزق الخيوط، الأمر الذي جعل القائد جمال يقول إن طاقم الصيد ينطلق نحو البحر في القارب بعد تفقد كل شيء، لاسيما المحرك، لتبدأ الرحلة في الساعة الثامنة ليلا بفصل الصيف. وبعد التأكد أن الشبكة حملت الكثير من السردين يتم رفعها عن طريق محرك الرفع، وهي عملية تستغرق أكثر من نصف ساعة. ومع بروز الخيوط الأولى لنهار جديد وبزوغ الفجر من كل يوم جديد، تبدأ عملية البيع في الميناء لمختلف تجار التجزئة في المدن الداخلية. فسيفساء من الأطباق السمكية يترأسها طبق ”البايلا” غير بعيد من جماعة الصيادين تجذبك رائحة السمك المشوي المنبعثة من المطاعم المجاورة، هي حركة معتادة تبدأ بفعل اعتيادي في منتصف النهار خلال أيام الأسبوع. أما في نهايته فالحركة تبدأ على الساعة الثامنة مساء خاصة في فصل الصيف، حيث أكد لنا صاحب مطعم السمك المشوي بالميناء أن العائلات تتردد على مختلف المطاعم، إلا أن ”شطارة” عمال المطاعم تستطيع أن تصطاد الزبائن بطريقة تكاد تكون مملة لبعض الزبائن، ولكن الأمر لا يهم بالنسبة للكثير، فالطعم والرائحة هي الأساس في جلب الزبون - يقول ”احمد” عامل بأحد المطاعم بالميناء - مؤكدا في سياق حديثه أن الطبق الرئيسي الذي أصبح الطلب عليه بكثرة في ميناء بوهارون هو طبق ”لابايلا”، وهي الأكلة المفضلة للعديد من العائلات، حيث أصبحت تقطع المئات من الكيلومترات لتذوق هذا النوع من الأطباق البحرية المميزة، رغم غلائها، إلا أن الذوق الخاص يبقى سيد الموقف، يقول أحد الشباب القادم من البليدة. وآخر قادم من العاصمة لتذوق بالأكلات البحرية المختلفة، خاصة الجمبري الملكي الذي له نكهة خاصة جدا فدفع 5000 دج في هذا النوع من الأكلات والتمتع بلذته، يجعلك تنسى كل الغلاء مقابل الاستمتاع بالطعم الخاص. رغم النقائص إلا أنه يبقى ميناء رائدا اعتبر السيد (محمد.ع) الذي جاء رفقة زوجته لتناول السمك المشوي بعد أسبوع من زواجهما، إن ميناء بوهارون رغم الأهمية المعتبرة التي يكتسيها إلا أنه فقد ميزته بعد التدهور الشديد الذي لحق به، مشيرا في سياق حديثه إلى الاهمال الموجود في جانب النظافة، حيث تنحصر مهمة عمال نظافة على تنظيف مخلفات الأسماك على الأرضية وترك الفضلات تطفوعلى السطح، مؤكدا على ضرورة توعية الصيادين حول نتيجة عدم انتباههم لما يقومون به.. رغم النقائص التي قد تكتسي هذا الميناء الكبير، إلا أنه يبقى الوجهة المفضلة للعديد من العائلات سواء في موسم الصيف أو الشتاء. غادرنا الميناء، ولكن لم تغادرنا رائحة السردين المشوي ولا رائحة الجمبري والسمك الأبيض وكل الثروة السمكية المتنوعة التي تزخر بها هذه المنطقة الجميلة، والتي تشكل ديكورا جميلا تلتزم به المنطقة و تزيده روعة.