هل قوامة الرجل على بيته تعني منحه حق الاستبداد والقهر؟ بعض الناس يظن ذلك وهو مخطئ! فإن هناك داخل البيت المسلم ما يسمى حدود الله، ولقد تكررت في القرآن ست مرات في آيتين اثنين!! والآيتين في دعم البيت المسلم حتى لا يتصدع، وفي تدارك صدوعه حتى لا ينهار وهما قوله تعالى:{الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به، تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون، فإن طلقها فلا تحل له بعد حتى تنكح زوجا غيره،فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله، وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون}. ما هي هذه الحدود التي تكررت ست مرات خلال بضعة سطور؟ إنها الضوابط التي تمنع الفوضى والاستخفاف والاستضعاف، ضوابط الفطرة والعقل والوحي التي تقيم الموازين القسط بين الناس، إن البيت ليس وجارا تسكنه الثعالب، أو غابا يضم بين جذوعه الوحوش. لقد وصف الله مكان المرأة من الرجل ومكان الرجل من المرأة بهذه الجملة الوجيزة {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}. إن هذا التمازج بين حياتين يكاد يجعلهما كيانا واحدا وليست الغريزة هي الجامع المشترك كالنزوة العابرة لا تصنع حياة دائمة!. وقد عنى المفسرون الكبار بجو البيت المسلم وهم يشرحون حدود الله التي تكررت كثيرا فيما سقنا من آيات، وكان أهم ما حذروا منه الظلم!. قال صاحب المنار رضي الله عنه:”.. والظلم آفة العمران ومهلك الأمم، لأن الظلم الأزواج للأزواج أعرق الإفساد وأعجل في الإهلاك من ظلم الأمير للرعية، فإن رابطة الزوجية أمتن الروابط وأحمها فتلا في الفطرة الإنسانية! فإذا فسدت الفطرة فسادا انتكث به هذا القتل،وانقطع ذلك الحبل، فأي رجاء في الأمة من بعده يمنعها غضب الله وسخطه.. إن هذا التجاوز لحدود الله يشقي أصحابه في الدنيا كما يشقيهم في الآخرة.. وقد بلغ التراخي والانفصام في رابطة الزوجية مبلغا لم يعهد في عصر من العصور الإسلامية، لفساد الفطرة في الزوجين واعتداء حدود الله من الجانبين. إذا كان البيت مؤسسة تربوية أو شركة اقتصادية فلابد من رئيس والرياسة لا تلغي التفاهم وتبادل الرأي والبحث المخلص عن المصلحة. إن هذا قانون مطرد في شؤون الحياة كلها، فلماذا يستثنى منه البيت؟ قال تعالى في صفة المسلمين {وأمرهم شورى بينهم}، فعموم الآية يتناول الأسرة والمجتمع. يقول الأستاذ مد موسى سالم:”إن القوامة للرجل لا تعني أن له بحكم أعبائه الأساسية،وبحكم تفرغه للسعي على أسرته والدفاع عنها ومشاركته في كل ما يصلحها أن تكون له الكلمة الأخيرة - بعد المشورة - ما لم يخالف بها شرعا أو ينكر بها معروفا أو يجحد بها حقا أن يجنح إلى سفه أو إسراف، من حق الزوجة إذا انحرف أن تراجعه وألا تأخذ برأيه و وأن تحتكم في اعتراضاتها عليه بالحق إلى أهلها وأهله وإلى سلطة المجتمع الذي له وعليه أن يقيم حدود الله”. ونضيف إلى ذلك مجموعة من الملاحظات: أولا: النفقة معصوبة بجبين الرجل وحده، وأن إنفاق المرأة في البيت مسلك مؤقت وتطوع غير ملزم، وعليها أن تجعل أثمن أوقاتها لتربية أولادها والإشراف العلمي والأدبي عليهم. ثانيا: أن دور الحضانة مأوى مؤقت تلجأ إليه ضروريات عابرة وأن الأساس في الإيواء والتربية هوالبيت الأصلي ودفء الأمومة وحنانها!. ثالثا: ليس لرجل أو إمرأة أي حرية في انتهاك حدود الله واعتداء حرمانه. رابعا: الأسرة ليست بابا مفتوحا لكل والج وخارج، ولعقد الزواج أبعاد فقهية واجتماعية وتربوية ينبغي أن تعرف وتعرف معها قوامة الرجال. وقد غضبت نسوة غيورات لما عرف الفقهاء عقد الزواج بأنه “عقد يبيح حل المتعة بالمرأة، “وظاهر أن التعريف قاصر عن المعنى الكبير للعلاقة بين الزوجين! إنه تناول الجانب الذي يدخل منه القانون، ولم يتناول الجوانب التي يدخل منها باقي العلوم الإنسانية، والزواج أكبر من يكون عقد ارتفاق بجسد امرأة.. قال تعالى {والله جعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون}. قالت امرأة غاضبة “أإذا غضب من زوجي في حوار قد أكون فيه صاحبة حق حُرمت رضوان الله، ولعنتني الملائكة و..و..”. لكن الحديث الوارد كان يتحدث عن شأن آخر بعيد كل البعد عن هذا الوهم. الحديث ورد في امرأة تعرض زوجها للفتنة لأنها تمنعه نفسها وهو لا يستغني عنها ذالك هو المراد!! إن الإسلام يقوم على حقائق الفطرة والعقل، لأنه فطرة الله التي فطر الناس عليها.