التعريف بالكتاب: كان كتاب قاسم أمين ”1863- 1908م” ”تحرير المرأة - 1899” أول كتاب أثار زوبعة، أومعركة فكرية واجتماعية في الثقافة والمجتمع العربيين الحديثين، مما دفع مجموعة من الكتّاب إلى الردّ عليه أهمهم: ومتى رأى الرجل امرأته بهذه المنزلة من الجهل؛ بادر إلى نفسه احتقارها، واعتبرها من الأعدام التي لا أثر لها في شؤونه، وهي متى رأته أهمل وأغضى ضاق صدرها،وظنت أنه يظلمها، وبكت سوء حظها الذي ساقها إلى الرجل لا يقدِّرها قدرها، ونبتت البغضاء في قلبها؛ ومن ثم تبتدئ عيشة لا أظنُّ أن الجحيم أشدُ نكالا منها، عيشة يرى كلٌّ منهما فيها أن صاحبه هو العدُّو الذي يحول بينه وبين السعادة. ولا يظنُّ أن هذا يختص بذوي الأخلاق الفاسدة من الرجال والنساء؛ فقد تكون المرأة طيبة صالحة، والرجل شريف الإحساس ولكن العيشة بينهما خصام مستمر، ولا ذنب على أحدهما؛بل الذنب على اختلافهما في التربيَّة كما تقدم ومنتهى هذه الحالة - إن استمر الإقتران بينهما - أن يميت أحدهما حقه في سبيل راحة الآخر، أو يجرَّ كلاهما قيده الثقيل إلى آخر العمر، ولكن مهما كان حال الزوجين - وهما على ما ذكرنا من الوصف - فلا سبيل إلى ارتباطهما برابطة المحبَّة إذا أخذت بمعناها الخاص؛ ولا خسران في الدنيا يبلغ فقد لذَّة الحب بين الرجل و المرأة. جاء في القصص الدينيَّة المسطورة في الكتب السماوية أن الله خلق من ضلع آدم، وفيه على ما أظُّن رمز لطيف إلى أن الرجل والمرأة يكوَّنان مجموعا واحدا لا يتم إلا باتحادهما، ومن هذا المعنى أخذ الغربيون تسميتهم المرأة بنصف الرجل، وهو تعبير فصيح يدلُّ دلالة واضحة على أن المرأة والرجل هما شقان لجسم واحد مفتقر بعضه إلى بعض ليتمًّ له الكمال بالاجتماع. وهذا الانجذاب الغريزي الذي أوجده الله في كل المخلوقات الحيَّة - حتى في النباتات يشاهد في بعضها حركة محسوسة بين الذكر والأنثى إذا آن وقت التلقيح على طريقة حار في تفسيرها علماء الطبيعة - هو أهم عنصر يدخل في تركيب الحبِّ، وهو يكفي لحدوث الميل بين الرجل والمرأة، ولا يختلف في الإنسان عن الحيوان. أما أصل هذا الانجذاب وطبيعته وسببه فهو أمر لا يزال غامضا كأصول الأشياء تقريبا، وإنما يرجح قسم من العلماء أنه سيَّال يتولد في المراكز العصبية، فمتى وجد هذا الانجذاب بين رجل وامرأة؛ شعرا بضرورة اقترابهما. فإذا تلاقيا أخذت كلا منهما هزة الفرح، تتكلم عيونهما،وتترجم عن الاضطرابات التي تهيِّج قلوبهما قبل أن ينطق اللسان، كأن روحيهما صديقتان افترقتا في عالم قبل هذا العالم وأخذت كل واحدة منهما تبحث عن الأخرى حتى إذا التقتا؛ وجدت كل منهما ضالتها التي كانت تنشدها؛ وتنشأ فيهما بعد اللقاء أمال وأمان أكبر من مجرَّد التلاقي فتختلطان ويحدث بينهما شبه العهد على أن لا تفترقا.ترى كل واحدة منهما أن لا سعادة لها إلاَّ باتصالها بالأخرى. لكن هذا الانجذاب المادي لا يلبث مدَّة حتى يأخذ في التلاشي ويتناقص شيئا فشيئا. فمهما كانت شدة الرغبة عند أول التلاقي فهي صائرة إلى الزوال في زمن يختلف طوله وقصره باختلاف الأمزجة.. ...(يتبع)