التعريف بالكتاب: كان كتاب قاسم أمين ”1863- 1908م” ”تحرير المرأة - 1899” أول كتاب أثار زوبعة، أومعركة فكرية واجتماعية في الثقافة والمجتمع العربيين الحديثين، مما دفع مجموعة من الكتّاب إلى الردّ عليه أهمهم: من عوامل الضعف في كل مجتمع إنساني أن يكون العدد العظيم من أفراده كلاّ عليه لا عمل له فيما يحتاج إليه، وإن عمل كان كالآلة الصماء أو الدابة العجماء لا يدري ما يصدر منه. المرأة محتاجة إلى التعليم لتكون إنسانا يعقل ويريد، بلغ من أمر المرأة عندنا إذا تصورناها وجدنا من لوازم تصوُّرها أن يكون لها ولي يقوم بحاجاتها ويدير شؤونها، كأن وجود هذا الولي أمر مضمون في جميع الأحوال، مع أن الوقائع أظهرت لنا أن كثيرا من النساء لا يجدن من الرجال من يعولهن؛ فالبنت التي فقدت أقرباءها ولم تتزوج والمرأة المطلقة، والأرملة التي توفيَّ زوجها، والوالدة التي ليس لها أولاد ذكور أو لها أولاد قص- كل هذه المذكورات يحتجن إلى التعليم ليمكنهنَّ القيام بما يسدُّ حاجاتهن وحاجات أولادهن َّ إن كان لهنَّ أولاد، أما تجرُّدهنَّ عن العلم فيلجئهن إلى طلب الرزق بالوسائل المخالفة للآداب، أو إلى التطفُّل على بعض العائلات الكريمة. ويمكن أن يقال إننا لو بحثنا عن السبب الذي قد يحمل تلك المرأة المسكينة التي تبذل نفسها في ظلام الليل لأوَّل طالب -وما أكبر هذه المذلة على المرأة - لوجدناه في الأغلب شدَّة الحاجة إلى زهيد من الذهب والفضة. وقلَّما كان الباعث على ذلك إلى تحصيل اللذة. ثم أنه لا يكاد يخلو عائلة مصرية من تحمُّل نفقات عدد من النساء اللاتي وقعن في العوز، ولا قدرة لهنَّ على العمل للخروج منه، ويمكننا أن نعدَّ هذا من الأسباب المانعة للعائلات من السير على قواعد الاقتصاد. لهذا السبب وغيره نرى الاختلال الجسيم في مالية العائلات؛ فإن للرجل المصري الذي يشتغل لكسب عيشه وعيش أولاده يرى شطرًا من المال الذي يجمعه يُنفِق على أشخاص من أقاربه أو معارفه أو ممَن لا علاقة له بهم، ولكن تلزمه الرأفة الإنسانيَّة بأن يبذل لهم من كسبه ما يستطيع كيلا يموتوا جوعا، وهم يرون أنه إنما يفعل ما يجب عليه ومع ذلك هم قادرون على الكسب، ولكن يحول بينهم وبينه جهلهم باستعمال ما أوتوا من القوَّة؛ وذلك بسبب ما حُرِمو من التربيَّة. ولو فُرض أن المرأة لا تخلو من زوج أو ولي ينفق عليها أفلا تكون التربيّة ضرورية لمساعدة ذلك العائل إن كان فقيرا، أو تخفيف شيء من انتقال إدارة المال داخل البيت إن كان غنيًا؟ فإن كانت المرأة غنيَّة بنفسها - وهو نادر - بأن كان لها إيراد من عقارات ونحوها أفلا يفيدها التعليم في تدبير ثروتها وإدارة شئونها؟! نرى النساء كل يوم في اضطرار إلى تسليم أموالهن إلى قريب أو أجنبي، ونرى وكلاءهن يشتغلون بشئون موكلاتهم فلا يمضي زمن قليل إلا وقد اغتنى الوكيل وافتقر الأصيل. نرى النساء يضعن أختامهن على حساب، أو مستند أو عقد يجهلن موضوعه أو قيمته أو أهميته؛ لعدم إدراكهن كلَّما يحتوي عليه، أو عدم كفاءتهن لفهم ما أودعه؛ فتجرد الواحدة منهن عن حقوقها الثابته بتزوير أو غش أو اختلاس يرتكبه زوجها أو أحد أقاربها أو وكيلها.فهل كان يقع ذلك لو كانت المرأة متعلمة؟ ...(يتبع)