يقول المثل: ”لا نغير فريقا فائزا”. مخطئ من يعتقد أن تنحي أمير قطر عن الحكم وتسليمه لابنه تميم، جاء بمحض إرادته، أو أنه نابع من قناعة أو من مبدأ ديمقراطي، كتلك الديمقراطية التي يريد نشرها في العالم العربي. حتى في الملكية، لا يمرر الحكم بهذه الطريقة فالتوريث، تم على طريقة الدسائس والمؤامرات منذ أن أبعدت موزة بنت المسند، أبناء الأمير من زوجته الأولى وتآمرت على الإمارة مع أمريكا حفاظا على مصالحها. ما فعله أمير قطر أمس هو اعتراف بفشل سياسته التي انتهجها في العالم العربي، قدمه في قالب مسرحي سمج. نعم فشل الشيخ أحمد ووزير خارجيته حمد بن جاسم، وها هو العالم العربي الذي وعده بالثورة والتغيير والديمقراطية، يعيش فوضى عارمة، وغضبا شعبيا، من تونس إلى مصر مرورا بليبيا، ولا أتحدث عن سوريا التي تعيش تجربة مريرة، وتحولت بسبب سياسة أمير قطر، وفتاوى شيوخه إلى أرض لحرب طائفية غير مسبوقة، طائفية انتقلت شرارتها إلى مصر التي عاشت منذ يومين مجزرة راح ضحيتها شيوخ من المذهب الشيعي، ولبنان هو الآخر يعيش الفوضى نفسها وكانت شوارع مدنه منذ يومين مسرحا لاقتتال شيعي سني. الإبعاد شمل أيضا وزير الخارجية بن جاسم، الذي وقف وراء كل المؤامرات الدنيئة التي ألهبت الشارع العربي، بدعمه الجماعات الإسلامية المتطرفة وتسليحها، وتشجيعها على ارتكاب أفظع الجرائم، التي ما انفكت المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي تنشر عنها صورا مرعبة لأبرياء تقطع أجسادهم وينكل بجثثهم، وآخرين يأكلون بطريقة همجية أعضاء ضحاياهم، كل هذا بتمويل قطري ودعم إعلامي ودعائي من قناتها التي نشرت الفتنة، وعملت على إسقاط أنظمة فاسدة، لتحل محلها الفوضى والحروب الأهلية. لم يتنح الأمير وإنما أجبر على الرحيل رافعا فاتورة الجرائم التي اقترفتها سياسته، وهذا اعتراف ضمني من أمريكا التي دعمت سياسته واستعملته وسيلة لتنفيذ مخططها في الشرق الأوسط الجديد، أن المؤامرة انكشفت، وأن الشعوب العربية ترفض العودة إلى العصور الظلامية مثلما يعدها بذلك الغنوشي في تونس، ومرسي في مصر، مصر التي تستعد هذه الأيام للخروج على أمير المؤمنين الجديد، رغم أن فتاوى تعالت بقتل كل من يخرج ضد مرسي أو ينتقد سياسته. لا أدري إن فهم الإخوان المسلمون رسالة إبعاد أمير قطر، أم أنهم في حاجة إلى تفسير آخر على الطريقة الأمريكية؟ فليس لأمريكا أصدقاء، ولن يكون العرب أبدا أصدقاء لأمريكا والغرب، فقط لديها مصالح، وهي مستعدة لكنس كل من يشوش على مصالحها حتى لو كان أمير قطر الذي خدمها بأرضه وماله وعرضه. المنتصر الوحيد في هذه المعمعة هي موزة التي أجلست نجلها على العرش بعد مسيرة من الدسائس والمؤامرات. من المتوقع أن يغير الشيخ تميم توجهات سياسة قطر، خاصة الخارجية منها، بل هو مجبر على ذلك حتى لا ينتهي نهاية والده، أولها أن يقطع لسان شيخ الفتنة القرضاوي ويفك ارتباطه بالإخوان المسلمين، وبحركة حماس الفلسطينية التي بدأت تبحث لها عن أرض تؤويها. رحل الأمير، ولم يرحل بشار ومازال يقاوم المؤامرات التي زرعتها قطر في سوريا، رحل وترك العالم العربي مفتوحا على كل المخاطر...