”سوف يفحص كل من الكونغرس والمحاكم التساؤلات الكبرى المتعلقة بالخصوصية والمراقبة التي مثلها تسريب إدوارد سنودن برامج المراقبة الخاصة بوكالة الأمن القومي. في الوقت نفسه، ثمة تساؤلات مزعجة أضيق نطاقا يثيرها تدفق تلك الأسرار. هذه الأسئلة المملة تهمني جزئيا نظرا لأن قضايا الخصوصية الكبرى لا تبدو صادمة بهذه الدرجة. على مدى أكثر من 34 عاما من السفر بشكل متكرر للخارج، إفترضت أن أجهزة الإستخبارات الأجنبية لا تمس إتصالاتي؛ في السنوات الأخيرة، دأبت شركات الإنترنت التجارية على تعقب السواد الأعظم منا في كل مكان نذهب إليه بشكل إلكتروني، فإن الخصوصية بالمعنى التقليدي لا توجد. يقلقني بالمثل أن البرامج التي سربها سنودن تبدو قانونية، وضعها الكونغرس وخاضعة لمراجعة من الكونغرس والمحكمة. يبدو سنودن هذه الأيام أقرب إلى منشق استخباراتي، يبحث عن ملاذ في دولة معادية للولايات المتحدة، منه إلى مسرب. لكن بصرف النظر عن نظرتنا للأسرار التي كشف النقاب عنها، فإنها الآن حقيقة من حقائق العمل والسياسة. هناك ثلاث قضايا متناقضة تستحق الدراسة: (1) هل قضى سنودن على “الحوسبة السحابية”؟ لقد تنبأ بعض المحللين بأن الكشف عن اختراق وكالة الأمن القومي رسائل الإنترنت سيحدث مشكلات بالنسبة للشركات الأميركية التي تؤجر مساحة تخزين ضمن “الخدمات السحابية” لخوادمها. قبل فترة طويلة من ظهور سنودن، كانت شركتا حوسبة سحابية أوروبية تتنافسان في الإعلان عن “ملاذ آمن” من قانون باتريوت، بحسب مدونة Skating on Stilts لمحام سابق لحساب وكالة الأمن القومي، ستيوارت باكر. بالطبع لا تشهد سوق الأوراق المالية أية خسارة كبيرة في القيمة ما بعد سنودن. يقترب معدل تداول عملاقي الخدمات السحابية، “أمازون” و”مايكروسوفت”، من الموضع الذي كانا عليه في مطلع جوان، قبل أن يسمع العالم عن سنودن. ولن يقوم “غولدمان ساكس” بحفظ الحسابات اللوغاريتمية الخاصة بتداولاته عبر الحوسبة السحابية، ولكنه لم يكن ليفعل هذا على أية حال. مثلما أخبرني جويل برينر، المفتش العام السابق بوكالة الأمن القومي، فإن عالم الحوسبة يضم أنواعا شتى من السحب، بمستويات مختلفة وإجراءات حماية للخصوصية. وتعتبر مزايا التكلفة والفاعلية للحوسبة السحابية ضخمة. لذلك، ربما لم تمت خدمات الحوسبة السحابية. (2) أين تعيش الإنترنت؟ ليس الأمر بهذه البساطة: الإنترنت، مثلما نتخيل، هي مساحة بلا حدود. لكن تدفقات وحدات البت يخضع لعملية جمع حينما يكون في حالة حركة، على الرغم من أن الكابلات البصرية الليفية، غالبا، وحينما تكون في حالة سكون، تكون في خوادم. أي القوانين تنطبق على هذه المساحات؟ تتعلق بعض أكثر الأسرار المدمرة التي كشف سنودن النقاب عنها بتحرك البيانات عبر “الأعمدة الفقرية” للإنترنت. كشفت “الغارديان” عن برنامج يحمل اسم “تيمبورا” والذي تديره وكالة بريطانية مناظرة لوكالة الأمن القومي، والتي قيل إنها قادرة على فحص البيانات الوصفية التي تتحرك على 1500 من الكابلات ذات القدرة العالية البالغ عددها 1600 كابل الممتدة عبر أنحاء المملكة المتحدة، ومشاركة هذه المعلومات بشكل فعلي مع وكالة الأمن القومي. كشفت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” عن برنامج لوكالة الأمن القومي لاستغلال الأعمدة الفقرية للإنترنت في بكين وهونغ كونغ. ليست هذه مفاجأة في واقع الأمر؛ فهذا هو ما تفعله وكالات الاستخبارات. ولكن بوصفي أميركيا، أرغب في أن أكون موقنا من أنه بصرف النظر عن ماهية القوانين الأجنبية التي قد تخرقها وكالة الأمن القومي لإبقائنا آمنين، فإنها لن تنتهك هذا القانون الأميركي. تمثل البيانات “الساكنة” في الخوادم أيضا لغزا محيرا. هل تسيطر شركة “أمازون” الأميركية على البيانات المخزنة في الخوادم الموجودة في ألمانيا، على سبيل المثال؟ أم هل تفرض ألمانيا والدول الأخرى الآن “شروط إقامة رقمية” تجعل بيانات الإنترنت الأخرى المخزنة خاضعة للقانون المحلي؟ إن عمل “البيانات الكبرى” من المرجح أن يصبح أكثر تعقيدا بأية صورة. (3) هل بإمكان الحكومة حماية الأسرار؟ بعد تسريبات سنودن و”ويكيليكس”، قد تبدو الإجابة بالنفي. يثير هذا مشكلات حتى بالنسبة للناس الذين ليسوا قلقين بشأن قضايا “الأخ الأكبر”. لنفترض أنك (على غراري)، تثق في حكمة الحكومة في التعامل مع المعلومات الشخصية بدرجة تفوق وسائط تجارية مثل “فيس بوك”. ولكن إذا ما جمعت الحكومة معلوماتنا السرية (حتى بموجب إجراء غير قانوني)، فإن هذا يعني أن شخصا ساخطا داخل الحكومة قد يقرر تسريب تلك الأسرار - لتدمير فرد أو شركة أو دولة. من المفارقة أن مؤيدي الخصوصية يجب أن يكونوا أكبر المهتمين بقدرة الحكومة على حماية الأسرار - والحفاظ على خصوصية السجلات الضريبية والطبية وحركة رسائل البريد الإلكتروني والسجلات الأخرى. غير أن تسريبات سنودن أو ويكيليكس تشير إلى أن هذه معركة خاسرة.