تطرقت غنية كولوقلي في كتابها الصادر عن منشورات التنوير تحت عنوان الخلفيات الإبوستيمولوجية لنظرية التلقي إلى واحدة من أهم نظريات الفكر الإنساني وهي نظرية ”التلقي”، حيث ناقشت خلفياتها الإبستمولوجية والتاريخية والفلسفية التي مهدت لظهورها، ثم تناولت علاقتها بالاتصال كما لم تغفل أبعادها الفكرية وأهم مقولاتها في الأبجديات النقدية لمدارس غربية متعددة ك+كونستانس الألمانية”، و”الشكلانية الروسية”، ومدرسة ”فرانكفورت” ورصانته المنهجية، وغناه المعرفي الذي يقدم كما هائلا من المعرفة التي تفتقر إليها المكتبة العربية. ناهيك عن أن له السبق في التطرق إلى الكثير من القضايا الإشكالية حيث تطرق إلى موضوع النظرية كونها أصبحت في النقد الأدبي الحديث المحور الذي تدور عليه معظم الاشتغالات النصية، وقد كثرت الأسس النظرية التي تقف موقف التوصيف لمجمل التجربة المعاصرة في علم النص والأسلوبية في كتاب الباحثة تجربة إجرائية تأويلية تتوسل بالمنطلق النظري وتمضي في القراءة النصية في أوجهها المتعددة والمستندة إلى فهم أصيل ومتميز لمفاصل هذه التجربة النقدية الجديدة على الأقل بالنسبة للنقد الأدبي العربي الحديث، ويبدأ الفصل الأول من الكتاب بمقدمات نظرية تتناول علم النص كبديل إجرائي في النقد الأسلوبي، وفيه تحاول الباحثة مقاربة الظاهرة المنهجية في النقد الحديث، بغية الكشف بالتالي عن أنساق الاشتغال المنهجي العربي، وصولاً إلى تحديد الخيوط النظرية والإجرائية في الحداثة المنهجية المؤسسة، وتعرض الباحثة في هذا الإطار الموقف من المنهج، أو من شبكة التطورات المعرفية الجاهزة ذات الامتدادات المختلفة، وتشير إلى أن مواقف النقاد العرب المعاصرين من المنهجيات الوافدة قد تأرجحت بين الرضا والرفض. كما تتعرض لتحولات المنهج النوعية، وللكشوف التطبيقية وما تتضمنه من منهج مقترح، وقد تناولت في هذا الصدد زمن التأسيس المنهجي التحديثي العربي، بمرحلتيه التعريفية والإجرائية. ففي المرحلة التعريفية ستظل جهود النقاد العرب في خدمة علم النص تراوح بين شكلي الترجمة والتأليف، أما الفصل الثاني فقد تتناولت الباحثة نظرية التلقي في النقد الأدبي الحديث في أصولها المعرفية، ومبادئها ومفهوماتها الإجرائية، وتخلص إلى أن هذه النظرية قد تضامنت مع اتجاهات ما بعد البنيوية في نبذ الشكل الواحد للمعنى، وتقويض مبدأ الإيمان بالملفوظ اللساني كدليل وحيد، أو كوسيط وحيد لبناء جمالية النص ومحاورة بنيته. وتعود الباحثة أدراجها إلى التراث النقدي العربي، فيعنى الفصل الثالث والأخير إلى تقديم قراءة معاصرة في مدونة القرن الرابع الهجري، انطلاقاً من فرضية مفادها أن حال الفكر النقدي لأمة من الأمم كحال مفاصل الفكر الأخرى، ما يجد في سيمياء النقد الأدبي من تحولات علامية وأنساق جديدة حلقات سلسلة متناغمة، تفضي إحداها إلى الأخرى.