لقد بات مسلك الأجهزة الأمنية الفلسطينية في بعض جوانبه يشكل قلقا للقوى الوطنية فلم يعد الأمر مقتصرا على الشكاوى المتبادلة بين الضفة الغربية وقطاع غزة مع أن الكل الوطني السياسي والمجتمعي يخطّئ الاعتقال السياسي ويخطئ ويدين من يمارسه، ويطالب بإيقافه وتبييض سجون الضفة والقطاع من ”نزلاء الرأي”..إلا أن الممارسات قد تجاوزت هذا المحظور بوجهة التوسع أكثر، حيث تزداد محاولات تقييد حرية الرأي والتعبير: أولا فرض الرأي الاحادي وقمع الأخر الوطني : إن آلية عمل المؤسسات الفلسطينية الوطنية الرسمية يتحكم بها اتجاه سياسي معين بالتالي فإن قرارها يعبر في الغالب عن مواقفه، بل نجد في الكثير من الأحيان أن الفرد المسؤول هو من يقرر في المؤسسة سواء كانت صغيرة او كبيرة، وعليه يكون مطلوبا من الاتجاهات السياسية الأخرى أن تناقش ما تشاء في داخل المؤسسة، أما صدور القرار ونوعه فإنه يكون باتجاه آخر، بل أحيانا قد تجد في مؤسسة قيادية ما أن رأى الأغلبية في اتجاه والقرار بالمعنى العملي في اتجاه آخر. بالتالي فإن بعض الفئات لا تريد أن تسمع إلا رأيها فقط سواء في الشارع أو في الإعلام. إن الخطوات الكلاسيكية الأولى على طريق الديمقراطية الحقيقية هو تجسيد التعددية السياسية قولا وعملا بكل ما تعنيه من ترجمات في الحقول المختلفة، بالتأكيد فإن التجربة الفلسطينية لها خصائصها التي تختلف عن غيرها من التجارب، بالذات كونها تحاول أن تجمع بين النضال الوطني التحرري بمهامها المرحلية والاستراتيجية.. وبين بناء مؤسسات المجتمع المدني، وتشهد هذه المعادلة الثنائية والموضوعية اختلافا من بعض الجوانب، حيث نجد أن تيارا يختصر هذه المرحلة بكل وظائفها: بالإعلان عن الدولة الفلسطينية بعد إتمام بناء المؤسسات، بل قد تم تحديد سقف زمني أكثر من مرة للإعلان عن هذه الدولة، لكن الواقع قد أحبط هذه المراهنة، فوجود الاحتلال المباشر على كامل أراضي الضفة وغير المباشر في قطاع غزة يحول دون ذلك، لأنه لا دولة مستقلة مع وجود الاحتلال إلا اذا اتفق المجموع الوطني والاسلامي على تجسيد الدولة على أرضها واعتبارها مهمة كفاحية وصدامية مع الاحتلال، هذا أولا: وثانيا: لقد فشلت المفاوضات الثنائية على مدار عقدين من الزمن في فرض انسحاب قوات الاحتلال من الأراضي المحتلة عام 67. إن خصوصية التجربة الفلسطينية لا تغير من وظائف وسمات الديمقراطية التي لا يمكن أن تكون فهما فرديا أو فئويا، بالتالي لا يجب أن تخضع للاستخدام المبتور، كما إن فرض منع التجوال على رأي القوى السياسية خارج إطار الاجتماعات المغلقة يتنافى تماما مع منطق الشراكة الوطنية والأعراف والتقاليد التي انتجتها، اتصالا بذلك يكون من حق مختلف القوى الفاعلة بالعملية الكفاحية لشعبنا أن تطرح وجهة نظرها ومواقفها السياسية اتجاه القضايا المفصلية على الشارع الفلسطيني بالشكل الديمقراطي، والسلمي وبالاستناد للتقاليد الفلسطينية. في يوم 28/7/2013 نظمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مسيرة جماهيرية في مدينة رام الله، وأخرى في غزة وذلك في إطار إعلانها عن مجموعة مبرمجة من الفعاليات الرافضة لقرار العودة للمفاوضات مع دولة الاحتلال تحت سيف الضغوطات والاشتراطات الأمريكية الإسرائيلية وتجاوزا لكل الضوابط المقرّة في المؤسسات الفلسطينية بما في ذلك ما أقرته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في آخر اجتماع لها قبل ساعات من الزيارة العاجلة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري الى رام الله لكي يأخذ الموافقة على مقترحاته حيث كان التباين واضح بين رأي أغلبية أعضاء اللجنة التنفيذية وبين مضمون الموافقة على المقترحات الأمريكية، بغض النظر عن العوامل المحيطة بالموقف الفلسطيني فإنه من حق الجبهة الشعبية كما غيرها من القوى التي سجلت اختلافها مع قرار العودة للمفاوضات في ظل تواصل البناء الاستيطاني، وميزان القوى الراهن وتحت الخيمة الأمريكية ومواقفها المعادية لمصالح شعوبنا، إضافة الى تبخر اللاءات الفلسطينية وما أفرزته مسيرة المفاوضات مع دولة الاحتلال في العقدية الأخيرين من دروس مرّة، المهم أن المسيرة السلمية هذه قد جابت الشوارع الرئيسية لرام الله وقبل وصولها الى المقاطعة من أجل تسليم مذكرة للرئيس الفلسطيني، تعرضت للاستفزاز من الأمن الفلسطيني ثم للضرب وصولا الى اعتقال خمسة من الجرحى داخل المستشفى.. هذه الواقعة وما سبقها من وقائع مماثلة ومخاطر تفرض توجيه سهام الانتقاد والمناقشة: 1 إن أجهزة الأمن الفلسطينية جزء أساسي من مكونات السلطة الفلسطينية وهم يخضعون لقراراتها، أي أن كافة هذه الأجهزة بكل مسمياتها تنفذ سياسة السلطة وقراراتها، ولا تصنع مواقف أو سياسة خاصة بها، إلا ما ينتج أحيانا عن صراع داخلي بين الأجنحة والتوازنات والمصالح، لكن ذلك لا ينفي المسؤولية الخاصة التي يتحملها مسؤولي وكوادر هذه الاجهزة، وهنا القانون هو الفيصل. 2- تعتبر المهمة الوطنية في مقدمة أسباب وجودها والتي يمكن تلخيصها في حماية المواطن الفلسطيني، حماية أمنه، وممتلكاته وحياته من اعتداءات واقتحامات القوات الإسرائيلية التي لا يكاد يمر يوم دون اعتقال، أو اغتيال أو تدمير أو جرف أشجار أو مصادرة ممتلكات في قرى بلدات الضفة الغربية، وأيضا حماية السلطة ومقراتها من تحرشات العدو وعدوانه وليست حمايتها من شعبنا أو من مظاهرة مسالمة تعبر عن رأي وطني متجذر، لقد أثبتت التجربة أن سياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال لا تحمي المواطن وممتلكاته ولا تحمي السلطة ومقراتها بل إن العدو هو المستفيد منها حيث يحاول استخدام العامل الفلسطيني لتحقيق اهدافه الأمنية. 3 بالتأكيد هناك غرابة شديدة في أن يرى المواطن الفلسطيني والعربي الأجهزة الأمنية وهي تضرب وبقسوة مواطنيها، بل ماذا يقول فلسطينيو الشتات وهم يرون عبر شاشات الفضائيات هراوات رجال الأمن نازلة على رؤوس المناضلين ودماء بعضهم تنزف. إنها مشاهد ومسلكيات لا تدعو للاعتزاز. 4 هل ما نرى من تجليات للاحتقان والقسوة لدى بعض رجال الأجهزة الأمنية بل وغير ذلك اتجاه المناضلين ناتج عن ظرف آني طارئ أم يعبر عن بناء جديد وتعبئة جديدة ومهام جديدة ومن هي الجهة المسؤولة عن هذا البناء، هنا يتوجب التذكير: إننا أمام عدو غير عادي يجب أن لا نخضع أو نتأثر في بعض العوامل العابرة في العلاقة معه. إن معادلة صناعة جيل جديد يستجيب لمتطلبات المصالح الصهيونية الأمريكية على انقاض حقوق شعب فلسطين وثوابته التاريخية كحق العودة وتنفيذ القرار الأممي رقم 194 الذي صدر عن الأممالمتحدة بتاريخ29/11/1948 لا يمكن أن تنجح هذه الصناعة، قد تبرز بين الفترة والأخرى فئة محدودة أو مجموعة ترتبط ماديا أو اقتصاديا هنا أو هناك أو يتم شراء البعض، لكن البنية الأساسية للمجتمع الفلسطيني ولطبقاته الاجتماعية هي بنية وطنية وانتماء وطني راسخ ومتجذر. 5 لقد تكرر هذا المسلك من قبل الأجهزة الأمنية، بالتالي لم نعد أمام حادث عابر أو تصرف فردي من هذا الضابط الميداني أو ذاك، لقد تكرر ضرب المتظاهرين مثال على ذلك ما حصل مع المسيرة الشبانية التي انطلقت أيضا في رام الله يوم 1/7/2013 للمطالبة بإلغاء زيارة المجرم الصهيوني موفاز للمقاطعة وليس تأجليها كما أعلن في حينها.. واعتقال المناضلين بالتنقل بين المدن والأحياء مما يفترض القول: إننا أمام سياسة لقمع الرأي الآخر، أي لسنا في مواجهة قضية محدودة أو حصلت بالصدفة أو بالخطأ ولسنا أمام شيء متعلق بأمن المواطن الفلسطيني. ثانيا: محاولة تقييد الحريات الاعلامية: لقد احتج رجال الإعلام الفلسطيني في الضفة الغربية ”كما في غزة” اكثر من مرة في هذا العام تضامنا مع زملائهم الصحافيين الذين تم استدعائهم او اعتقالهم، ”الكل يتذكر ما تعرضت له احدى الصحفيات العاملات في المؤسسة الإعلامية الرسمية من مضايقات وتهديد.. لأنها فقط أنجزت روبورتاج جريء كسر بعض الطابوهات وطال البعض” واختصارا لممارسات في هذا العنوان المهم سوف أكتفي بالإشارة لما ورد في الورقة القانونية التحليلية التي كان عنوانها: انتهاكات حرية الرأي والتعبير والحريات الإعلامية في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، التي صدرت في العام الماضي عن مؤسسة الحق الفلسطينية العاملة بالضفة الغربية وهي من إنجاز الدكتور عصام عابد من ذات المؤسسة، تقول مقدمة الورقة: ” تلقت مؤسسة الحق عدد من الشكاوي عام 2012 متعلقة بتدخل الأجهزة الأمنية، والنائب العام بأشكال مختلفة لتقييد حرية الرأي والتعبير عموما، حيث لجأت الأجهزة الى الاتصال المباشر ببعض وسائل الاعلام لمنعها من نشر او بث آراء معينة فضلا عن مطالبتها بتزويد الأجهزة الامنية بعناوين المتدخلين في التعليقات على بعض المقالات والكشف عن مصادر معلوماتهم، وجرى توجيه تهديدات لعدد من الصحفيين..” وأضافت الورقة ”.. وقامت النيابة العامة باستدعاء عدد من الصحافيين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وتوقيف البعض منهم لفترات طويلة بدواعي استكمال التحقيق على خلفية اراء ومقالات وتعليقات..” للتذكير مرة أخرى إن محاولة تكميم الأفواه بأشكالها وأساليبها المختلفة تعتبر مخالفة للقانون الأساسي، وللتشريعات الفلسطينية وللمواثيق الدولية ذات الصلة. من اللافت ذلك التقاطع الموضوعي في وظائف الأجهزة الأمنية في الضفة والقطاع من زاوية قمع حرية الرأي، كحق المواطن وحقوق القوى في التعبير عن رأيها من موقع الشراكة ودفع الثمن : في 28/7/2013 تناولنا ما حصل من ضرب واعتقال في مسيرة رام الله، في 7/5/2013 نظمت الجبهة الشعبية وقوى أخرى وقفة اعتصام وتضامن مع شعب سوريا وبشكل محدد للتنديد بالغارة الجوية الصهيونية على بعض المؤسسات العلمية في سوريا كانت الوقفة هذه في الميدان الرئيسي بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، قد شارك بها العديد من الكوادر والقيادات من مختلف فصائل العمل الوطني.. فجأة وقبل أن تنجز الوقفة مهمتها نزلت هراوات أجهزة أمن حكومة حماس على رؤوس هؤلاء المناضلين واعتقلوا بعض الصحافيين اضافة الى إصابة العديد من المشاركين الذين نقلوا الى المستشفى ، في ذات السياق لكن بأساليب أشد قساوة، كان إفشال الحراك الشبابي في فترة عام 2011 وقد أشرنا ما حصل في رام الله يوم 1/7/2012 مع التظاهرة الشبانية.. الخ، وما يمكن تسجيله هنا اتجاه هذه المسلكيات التي تسيئ للمواطن الفلسطيني وصموده وتسيئ للقضية الوطنية بل للسلطة أيضا، هو: -إيقاف هذه الممارسات بعد إدانتها واتخاذ قرار سياسي من قبل السطلة بهذا الخصوص. - في الوقت الذي أدانت به كافة القوى ما حصل مع مسيرة رام الله وقبلها مع وقفة خان يونس وكافة الممارسات المشابهة، حيث صدر يوم 31/7/2013 تصريح إدانة وشجب أعقب اجتماع قيادة القوى الوطنية والاسلامية في غزة، وكذلك صدور بيان إدانة يوم 29/7/2013 صدر عن اجتماع قيادة القوى الوطنية في رام الله..الخ وسط كل ذلك لابد من التأكيد على أن التناقض الرئيسي للمجموع الوطني والإسلامي يبقى مع الاحتلال الاجلائي الاستعماري.. -أهمية إنجاز المصالحة الوطنية حتى يصار الى توحيد الاجهزة الامنية ولإعادة بنائها وتحديد وظائفها على أسس وطنية، تصون المصالح الوطنية العليا لشعب فلسطين. وسط كل ذلك لابد من التأكيد على أن التناقض الرئيسي للمجموع الوطني والاسلامي يبقى مع الاحتلال الصهيوني الاجلائي الاستعماري.. -أهمية انجاز المصالحة الوطنية حتى يسار إلى توحيد الأجهزة الأمنية ولإعادة بنائها وتحديد وظائفها على أسس وطنية، تصون المصالح العليا لشعب فلسطين.