إحباط محاولات إدخال أزيد من 13 قنطارا من الكيف عبر الحدود مع المغرب    مالية : السيد فايد يستقبل المدير العام لصندوق النقد العربي    اليوم العالمي للمعلمين : إنصاف المعلم واحترامه من "أولويات" الدولة الجزائرية    الصالون الدولي للاستثمار الفلاحي, "مناسبة لعرض أحدث الابتكارات والتقنيات في مجال الفلاحة في الجزائر"    وزارة المالية: تعبئة الموارد المالية محور اجتماع تنسيقي    الأمم المتحدة/اللجنة الرابعة: مقدمو الالتماسات يرافعون لصالح حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 42 ألفا و10    الأونروا : 400 ألف فلسطيني محاصرون شمال قطاع غزة    افتتاح الطبعة التاسعة للأسبوع الثقافي الكوري الجنوبي بالجزائر "أسبوع كوريا"    إشادة بالحرص الرئاسي على ضمان السيادة الرقمية    إشادة بقرار رئيس الجمهورية زيادة المنحة السياحية    بداري يشدّد على أهمية الوسائل البيداغوجية المتطورة    تبّون يهنّئ قيس سعيد    سفير اليابان يشيد بالترحيب الحار    أكبر هجوم صاروخي من جنوب لبنان على حيفا وخليجها    صهيونية العماليق و السياحة السوداء    الأمن المغربي يقمع مسيرة حاشدة في وجدة    الخضر يستعدون لمواجهة الطوغو    هذه توجيهات الشرطة للمناصرين    قانون لحماية القدرة الشرائية للجزائريين    افتتاح معهد وطني للتكوين في الطاقات المتجدّدة بتيبازة    الأحذية الرياضية تستهوي النسوة    مشروع إيطالي لتصنيع السيارات بالجزائر    جامعات غربية يتغذّى تألقها من الجهود العربية    العرباوي يستقبل سفير إيطاليا    وقفات مع دعاء صلاة الاستخارة    اتفاقية تعاون بين سلطة حماية المعطيات ونظيرتها الموريتانية    مجازر الكيان الصهيوني في مخيم جباليا وفي غزة دليل على فشله    طقسا مشمسا إلى ممطر عبر أنحاء الوطن    الأكياس البلاستيكية السوداء تعود بقوة للأسواق    الصولد يستقطب اهتمام الزبائن عبر المحلات    الغرب المتصهين لا يعرف الحياد..؟!    تدخل ضمن برنامج الاحتفال المخلد للذكرى 70 للثورة التحريرية    القطاع أنجز عدة منصات للتكفل بانشغالات المهنيين وعصرنة الخدمة    مرابي يشرف على الدخول لدورة أكتوبر 2024 بوهران    سايحي يرسل كمية معتبرة من اللقاحات إلى تمنراست وإن قزام    موسم الاصطياف: وفاة 762 شخصا وجرح 31705 آخرين جراء حوادث المرور    ملاريا/دفتيريا: إرسال كميات جديدة من اللقاحات والتجهيزات الطبية للولايات الجنوبية    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: عرض أعمال تعالج مواضيع اجتماعية وإنسانية    تكوين مهني: إدراج تخصصات جديدة وإبرام اتفاقيات شراكة بجنوب البلاد    تصفيات كاس افريقيا للأمم 2025: "الخضر" يشرعون في التحضير لمواجهة طوغو    تصدر ترتيب أغلى المدربين في افريقيا..بيتكوفيتش يتقاضى 135 ألف يورو شهرياً    بوعناني سعيد بعودته للمنتخب الوطني    الذكرى ال20 لرحيل يحي بن مبروك : مسيرة حافلة في خدمة القضية الوطنية والثقافة الجزائرية    صندوق النقد العربي ينوه بجهود الجزائر.. فايد: الجزائر حققت "خطوات معتبرة" في مسار التحول الرقمي    مستغانم.. 810 مليون دج لترميم عدد من المواقع الأثرية    يفتح بابه غدا ل20 بلد ويشرّع نوافذه على التجارب الفكريّة والأدبيّة الجزائرية..الجزائر ضيف شرف معرض عمّان الدولي للكتاب    التكفل الأمثل بمرضى الملاريا والدفتيريا : إرسال كميات جديدة من اللقاحات والتجهيزات الطبية للولايات الجنوبية    المهرجان الثقافي الوطني لعكاظية الشعر الشعبي بمثابة المكافأة التي يستحقها أهل الشعر في الجزائر    جزائري يتوّج بجائزة أنغولا    كرة القدم/كأس الكونفدرالية الإفريقية: اتحاد الجزائر يفتتح المنافسة أمام اورابا يونايتد (بوتسوانا)    اجتماع تنسيقي بوزارة الصحة لمتابعة الوضعية الصحية بالمناطق الحدودية    لا زيادات في الضرائب    المنافسات الافريقية للأندية (عملية القرعة): الاندية الجزائرية تتعرف على منافسيها في مرحلة المجموعات غدا الاثنين    أسماء بنت يزيد.. الصحابية المجاهدة    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوطن ينادينا جميعًا: التحديات تستدعي وقفة وطنية
نشر في الشروق اليومي يوم 10 - 08 - 2007

لا تنقطع الاتصالات بين النخب الفلسطينية التي تمثل كل ألوان الطيف الفلسطيني لتدارس تعقيدات الأزمة، ووضع تصورات الحل لها.. ولقد شاركت في بعض هذه اللقاءات التي ضمت عددًا من المثقفين يحمل كل واحد منهم رؤيته لمسار الخروج من حالة التأزيم التي ألمت بالجميع، واعتقلت الوضع الفلسطيني برمته.. وأتذكر كم أخذت النقاشات على الهاتف وفي الجلسات من الوقت كنت أشعر فيه أن الوطن كله يدور في نفق مظلم ويتطلع للخلاص.
وحاولت جهدي تفهم مشاعر الناس وأحاسيسهم، وقلت إننا من طرفنا لم نضع طوقًا على مبادرة أو حوار، فالكرة في الملعب الآخر، ونحن لا نتكلم بلاآت القطيعة بل بلغة التآخي والجسد الواحد.. ونحن نعلم أنه مهما طالت أيام الخصومة فليس أمامنا كفلسطينيين إلا اللقاء للتفاهم والحوار. تحركت معظم الفصائل والأحزاب السياسية وجهات من القطاع الخاص والمستقلين مشكورة بعرض الأفكار وتقديم المقترحات، ولكن يبدو أنه قبل تهيئة أرضية الجلوس للحوار التي ترفضها رام الله، تظل هذه المقترحات مجرد محاولات لاستنبات البذور في الهواء.
قديمًا قالوا: "من النقاش ينبثق النور"، فنحن كفلسطينيين أحوج من أي وقتٍ مضى لهذا النقاش اليوم.. من هنا جاءت استعداداتنا للحوار، ومددنا أيدينا بيضاء من غير سوء، وأعلنّا موافقتنا للجلوس دون شروط مسبقة، ومع أية جهات عربية وإسلامية أو حتى دولية ترغب في جمع كلمتنا ورأب الصدع القائم بيننا.. وكانت تصريحات رئيس الوزراء إسماعيل هنية باستعداده للتخلي عن منصبه إذا كان الثمن هو الوفاق الوطني هي قمة الشعور بالمسئولية الوطنية والحرص على وحدة الشعب الفلسطيني.
*تجارب فيها الكثير من الدروس والعبر
لقد سمحت لي إقامتي وعملي في العديد من الدول العربية والإسلامية والغربية الاطلاع على كثير من تجاربها السياسية ومشاهد الصراع والتناحر والاقتتال حتى بين رفقاء الدرب الواحد في تلك البلدان، ولم أجد أن بلادنا في أحداثها بعيدة عما وقع للآخرين، صحيحٌ أن هناك تمايزات ولكن أصل الشبه واحد.. لذلك أجدني مدفوعًا لاستدعاء بعض هذه الشواهد لاستخلاص الدروس والعبر منها. ففي أيرلندا الشمالية اختصم رجال المقاومة في العشرينيات حول طبيعة التعاطي مع الحكومة البريطانية وأطروحات السلام التي تقدمت بها، وقد شاهدنا في البداية كيف تشجع هؤلاء المقاتلون للحوار وانتدبوا قائدهم مايكل كولنز للتفاوض عنهم، وعندما استدعت الحوارات الدخول على خط إدارة الأزمة سياسيًا، بدأت معطيات "فن الممكن" و"الأخذ والعطاء" تتعثر يومًا بعد يوم، حتى وصلت إلى الطلب من كولنز بعد سنتين من المفاوضات المضنية بقطع الحوار والعودة من جديد إلى العمل المسلح.. رفض كولنز الانصياع إلى هذا الطلب، باعتبار أنه قطع مسافة متقدمة باتجاه إنهاء الصراع وتحقيق السلام، لم يرق هذا الرفض لبعضهم فتآمروا عليه وقتلوه.. لم تمض ستة عقود حتى تجددت جلسات التفاوض والحوار مرة أخرى، وكانت جهود الوساطة الأمريكية جادة في إنهاء حالة الصراع بينهم.. ورغم الجدل والنقاشات الساخنة بين مقاتلي الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA) وجناحه السياسي (الشين فين)، والتي طالت فيها الاتهامات والتحريض قيادات مركزية داخل التنظيم، إلا أنهم توصلوا في نهايات 2005 إلى حلٍ سياسي تراضى عليه الطرفان البريطاني والأيرلندي.. وصفق الجميع بعد توقيع الاتفاق لجيري آدمز ومارتن ما قنص.
وفي الجزائر وعلى امتداد الفترة ما بين 1954 1962 ظلت الصراعات والاتهامات قائمة بين مصالي الحاج أبي الحركة الوطنية الجزائرية الحديثة والمركزيين الذين انفصلوا عنه بزعامة عبان رمضان، وكانت ذروة القطيعة بينهما في مؤتمر الصومام، حيث شرع كل فريق في نزع الشرعية والوطنية عن الأخر.. وجرت بينهما عمليات تصفية واتهامات بالخيانة والتواطؤ مع المستعمر لا أول لها ولا آخر، بالرغم من أن الاحتلال الفرنسي جاثم على الأرض، وكان يبسط أجنحته العسكرية على امتداد المدن والبلدات الجزائرية.. لم يقبل مصالي الحاج أن تتجاوزه الأحداث، وأن يخرج عليه شباب مجهولون ليؤسسوا اللجنة الثورية للوحدة والعمل، ثم لجنة 22 لتنتهي إلي تأسيس تنظيم جديد صغير، متواضع العدد اسمه جبهة التحرير الوطني، فحاربه بعنف، ولكنه خسر المعركة بشكل لم يكن متوقعاً، وسقط كثير من الضحايا في سبيل الدفاع عن فكرة الزعيم أو رفضها.. وفي المواجهات على خلفية الاتهام بالخيانة بين قيادات الثورة الجزائرية اغتيل عبان رمضان الذي كان يعتبره البعض بأنه أقوي شخصية في الثورة الجزائرية. هذا الجدل على خلفية من يمتلك حقيقة الرواية حول كل ما وقع إبان تلك الفترة ما يزال قائمًا حتى اليوم، ولم تتوقف فيه تجاذبات الأطراف حتى بعد أن تحررت الجزائر ونالت الاستقلال.. لقد تعايش الجزائريون برغم مرارة الصراعات والاتهامات بينهم وظلوا يرددون هتافهم: "وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر". أما أفغانستان فالرواية هناك كانت أكثر مأساوية، فقد ظل رجالها يقاتلون السوفيت لعقد من الزمان حتى أخرجوهم من بلادهم، ولكنهم بدل أن يضعوا سلاحهم عندما وضعت الحرب أوزارها، نزغ الشيطان بينهم فأعملوا القتل فيما بينهم، وتناحروا حتى أذهبوا بركة جهادهم وتضحيات أبنائهم.. بالطبع كانت هناك جهات إقليمية تغذي نزعة الفرقة واستباحة الدم بينهم، وتوظفها في إطار الصراعات الدولية القائمة بالمنطقة.. واليوم عادت أفغانستان للأسف أرضًا محتلة، وعادت طالبان إلى المقاومة من جديد..!! كنا نشاهد مثل هذه العثرات في المسيرة السياسية ونتساءل: "يا قوم: أليس فيكم رجلٌ رشيد..؟" أما تركيا فهي نموذج التعقل والاعتدال ليس فقط في خطابها الذي يتسم بالمرونة ورفض العنف، ولكن في حكمة قيادتها التي نجحت في التعايش مع جنرالات العسكر وإبعادهم عن التدخل السافر في الحياة السياسية، وتعزيز المسار الديمقراطي ومسيرة الإصلاح والتغيير بشكل هادئ رآكم من انجازات حزب العدالة والتنمية وتوسيع شعبيته بصورة غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية التركية.
إن معرفتي عن قرب بهذه التجربة ورجالاتها منذ انطلاقتها في مطلع السبعينيات، تجعلني أثمن الجهد الذي بذله جيل الرواد الأوائل وخاصة السيد نجم الدين أربكان الذي انتهج سياسة متأنية تعتمد التدرج في الخطوات مع العلمانيين، والتعاطي بمبدأ التداول السلمي للسلطة، ولعل هذا هو الذي أبقى شريان الحياة قائمًا داخل الجسد الإسلامي الذي تعرض لأكثر من ثلاث انقلابات عسكرية عليه، ولكنه ظل قادرًا على النهوض كطائر الفينيق من وسط الرماد. جاء أردوغان على إثر تراجع تيار أربكان الذي أنهك سدنة العلمانية قواه على مدار ثلاثين سنة، فاختط طريقًا تجنب فيه المواجهات الساخنة مع جنرالات العسكر، وحافظ فيه على علاقات متميزة مع القوى العظمى، وأشغل نفسه في بناء اقتصاد قوي من خلال جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين التركية (الموسياد)، واحتضان كافة التيارات الثقافية والفنية برؤية إسلامية لا تعادي أحدًا وتسعى لاستيعاب الجميع. ما نريد أن نخلص إليه أن كل الحركات والشعوب في مراحل التحرر الوطني لم تخلو تجاربها النضالية من الخطأ والزلات، وفقط نُذّكر إخواننا من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية كم من جبهات الاقتتال الداخلي دارت رحاها بين كوادرهم في الأردن وعلى أرض لبنان.. أحداثٌ يريد البعض في رام الله تغييبها أو تجاهلها من المشهد الفلسطيني.
أحداث غزة: الحقيقة والادعاء
بكل الصدق والأمانة أقدم رؤيتي للأحداث التي اجتاحت غزة، وهي تتلخص فيما يلي:
أولاً) إن ما حصل في غزة لم يكن أمرًا مبيتًا كما يحاول البعض ترويج ذلك، وإنما جاء نتيجة للفشل المتكرر لضبط حالة الفلتان الأمني وفوضى السلاح، والتعديات الصارخة التي طالت شخصيات من الحركة أو جهات متعاطفة معها، وقد أخذ التصعيد بُعدًا استفز الجميع حين أصبح القتل يمارس على الهوية وهي اللحية والصلاة، وطالت التعديات المساجد وأئمتها.. كان الرد والتداعيات المتسارعة للأحداث أسبق من محاولات اللواء برهان حماد والوفد الأمني المصري ولجان المتابعة الوطنية والإسلامية، فغرق الجميع في أتونٍ حرب لم يخطط لها أحد، وإن كانت المعلومات لدينا أن هناك تيارًا داخل حركة فتح كان يعمل على حشد السلاح والرجال ويبيت أمرًا بليل لمواجهة حركة حماس وتوجيه ضربة لذراعها العسكري.
ثانيًا) إن المنطق والعقل لا يقبل مقولة: إننا كنا نحاور في القاهرة من أجل وضع الضوابط لإصلاح الأجهزة الأمنية، وتعزيز الشراكة السياسية لتأكيد وحدتنا الوطنية، وفي الوقت نفسه كنا نخطط للعبث في هذه الوحدة.!! إنني أتذكر وأنا استرجع الأحداث على مدار عامٍ ونصف أننا كنا كلما تقاربنا (فتح وحماس) للتوافق كان هناك من يتربص بنا الدوائر ويعمل على إفشال كل التفاهمات.. لقد كنا نحيط الرئيس عباس بتفاصيل المخططات والعناصر التي تقف خلفها في الكثير من اللقاءات التي كانت تجمعه مع رئيس الوزراء ووزير الداخلية، وكنا نناشده بالتحرك لإقالة عناصر الفساد والتخريب في بعض الأجهزة الأمنية، ولكن نداءات المناشدة كانت تذهب في معظمها أدراج الرياح.
ثالثًا) إن حركة حماس لم يكن لديها أي توجه لقلب الطاولة في المنطقة، وإن كل الذي حصل هو حالة من الغضب العارم التي اعترت حركة حماس، ثم تدحرجت الأمور بشكل أمني متسارع، وساعد على ذلك الهروب الجماعي وإخلاء المقرات، لأن الكثير من رجالات الأمن الوطني وحرس الرئاسة اعتبروا أن هذه المعركة ليست معركتهم، وهذه المواجهات تجري خارج السياق الوطني فغادروا إلى بيوتهم.. لقد ظهرت الأمور وكأنها مؤامرة خطط لها الجناح العسكري في حماس، فيما الحقيقة أنها غير ذلك.. ونحن قلنا ومازلنا نردد أننا لم نقاتل فتح، ولم تقاتلنا فتح، ولكنَّ المعركة كانت تدور رحاها ضد عناصر تعمل لحساب أجندات خارجية أمريكية وإسرائيلية.
رابعًا) إن حركة حماس أكدت على لسان رئيس الوزراء إسماعيل هنية إنها لن تحييد عن المبادئ التي آمنت بها، والتي تتمثل بوحدة الوطن، ووحدة النظام السياسي، واحترام كل الشرعيات الفلسطينية التي انبثقت من رحم الديمقراطية عبر البوابة الانتخابية.
خامسًا) إن كل شيء لدينا مفتوح للحوار، من إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس مهنية ووطنية إلى تشكيل حكومة ائتلاف وطني، وتأكيد الشراكة السياسية مع العمل الجاد لإصلاح وهيكلة منظمة التحرير الفلسطينية بحيث تصبح المظلة الشرعية لعملنا الوطني كله في الداخل والخارج.
سادسًا) إن المقرات والمؤسسات التابعة للسلطة الفلسطينية هي ملك للشعب الفلسطيني وليس لفتح وحماس، وقناعتنا أنها يجب أن تبقى بعيدة عن الاصطفاف الحزبي والتنازع الفصائلي.
* نافخ الكير وحامل المسك
إننا نعلم أن هناك في رام الله من يريد لهذه القطيعة أن تطول، لأن الوطن أصبح بالنسبة لبعضهم مشروعًا استثماريًا، فمنهم من يدفع في اتجاه الحوار مع إسرائيل والطلاق (بينونة كبرى) مع حماس، كما أن هناك داخل البطانة من يعتقد أن المزيد من الضغط سيأتي بحماس صاغرة تستجدي الحوار، ويتطلعون إلى تشكيل حكومة بدون حماس أو وجود تأثير قوي لها.. هؤلاء يعملون أيضًا على أساس أن تبقى الأجهزة الأمنية تحت سيطرتهم لتغطي على فسادهم وتجاوزاتهم، حتى يظلوا بعيدين عن دائرة المساءلة والعقاب. لاشك أيضًا بأن هناك عناصر داخل حركة فتح من حملة المسك لا يروق لها ما يقوم به بعض نافخي الكير في تلك البطانة، ويبذلون الجهد للملمة الوضع الفلسطيني ورأب الصدع بين حركتي فتح وحماس، لأن رؤيتهم وطنية، وحساباتهم أكبر بكثير من الانتماء الفصائلي، ومثل هؤلاء شخصيات وطنية مستقلة لا تألوا جهدوا في السعي لتقريب وجهات النظر وطرح المخارج والحلول من الأزمة التي ضربت أطنابها على مساحات الوطن ووجدان أبنائه.
يمضي الرجال ويبقى النهجُ والأثر
إن الوطن أكبر منا جميعًا ولا يمكن أن يخضع للمشاعر والعواطف.. قد يكون من حق البعض أن يغضب وينتفض بعد أن احتضنت حماس قطاع غزة بالكامل، ولكن في حدود لا تجرح ولا تخرج عن السيطرة، لأن ما نخشاه ليس أن يتفرد العدو بغزة، ولكن خوفنا الحقيقي هو استفراد العدو بالضفة الغربية جغرافيًا وسياسيًا واقتصاديًا، وبالتالي أن نخسر الوطن وتضيع عطاءات الأجيال وتضحياتهم هباءً منثورا. إن كلَّ قائد أو زعيم يريد من صفحات التاريخ أن تنصفه، ولن ترحم الذاكرة الجماعية لشعبنا من يباعد بين شطري الوطن، ويعزز القطيعة لدى أبناء هذا الشعب العظيم، ويسمح للحصار أن يتمدد على بساط الفقر والمسغبة في قطاع غزة. إن على ألسنة أهل القطاع كلامًا كثيرًا يريدون من أهل السياسة في رام الله أن يسمعوه.. صحيحٌ أن المعاناة في القطاع بلغ سيلها الزبى بسبب الاحتلال والحصار، ولكنَّ الأمن الذي ننعم فيه لا يعدله شيء، فالشواطئ من رفح إلى جباليا تكتظ حتى ساعات الصباح الباكر بالمصطافين، الأمر الذي يذكرنا بالحديث الشريف "... حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه". لقد انتهى زمن الحواجز والمتاريس والمربعات الأمنية التي طوقتنا وامتهنت كرامتنا من كل جانب، لقد انتهت "ظاهرة الملثمين" أولئك الذين أفزعوا بسلاحهم وتهديداتهم كل عزيز في هذا الوطن. اليوم الحال في غزة يشهد الجميع بأنه الأفضل أمنيًا منذ خمس عشرة سنة، بالرغم من أن الأطقم الأمنية التي تعمل في دوائر الشرطة لا تتجاوز المئات. فوالله إن أحلامنا تعاظمت بعد أن طهرت غزة ممن عاثوا فيها فسادًا وعسكروها بطريقة أذهبت صبر الحليم، وأصابت الجميع بالشلل التام.. لم يكن هناك من يملك تصورًا لكيفية وضع حدٍ لفوضى السلاح وضبط الوضع الأمني.. فشبكة التغطية على الجرائم والتجاوزات كانت واسعة وتتستر عليها الأجهزة الأمنية بامتياز.. اليوم والحمد لله انتهت هذه الحالة في قطاع غزة، فلا أحدٌ فوق القانون، ولن يسمح لأي جهة مهما بلغ نفوذها أن تكسر هيبة السلطة والحكومة. إن ما يجمعنا مع حركة فتح بالأمس واليوم أكبر بكثير مما يفرقنا، فنحن نتحرك في دائرة الرحمة التي يسمح بها التباين في الرأي والموقف، وقد علمتنا جدلية الحب والبغض أن نوغل "هونًا ما" وألا نتمادى. وللذين يحاولون التحريض علينا بالإدعاء أن القاعدة تبني لها مرتكزات في قطاع غزة، نقول لهم: إن السلاح الفلسطيني لن يوجه إلا للعدو الإسرائيلي، فمعركتنا هنا على أرض فلسطين وهدفنا هو إنهاء الاحتلال، وستبقى لمقولة "الدم الفلسطيني خطٌ أحمر" احترامها وقداستها، وإن وقعت قهرًا أو خطأً بعض التجاوزات لأن بوصلة نضالنا ليس لها إلا وجهة واحدة وهي تحرير القدس ونيل الاستقلال. إن الوقت ليس في صالح أحد، لأن الوطن بعد أن يتشظى تبدأ سياسة فرض الوقائع على الأرض، وهذا سيجعل الجميع في محنة وحيرة عندما يتم الشروع في معالجة التداعيات. أتمنى على الكل الوطني ألا يسمح لأحدٍ بتكريس القطيعة بين أبناء الشعب الواحد.. نحن نعلم أن هناك في رام الله من يريد لغزة أن تتلاشى وتغرق في البحر حتى ينعم بخيرات الدعم والمساعدات الأجنبية، ويتخلص من المقاومة وتبعاتها السياسية والأمنية.
نحن لسنا مبرئين من كلِّ عيب أو خطأ، فعندما تقع أحداث بالحجم الذي وقع في قطاع غزة، نصبح جميعنا مخطئين/ فما سلم الكمال لذات شخصٍ فلا إنسانَ من عيبٍ سليم/ ولكننا رجَّاعون للحق ومستعدون للجلوس له، وقد أكدنا مرارًا على أننا ملتزمون بكل ما وقّعنا عليه؛ بدءًا من تفاهمات القاهرة، ووثيقة الوفاق الوطني إلى إعلان مكة الذي مهد الطريق للشراكة السياسية بيننا، وأسس لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية. أدعو الله أن يشرح صدور قادتنا جميعًا لتقبل النصيحة والعودة إلى إمساك دفة السفينة قبل أن تطيش العقول وتتباعد القلوب فلا نجد مرفأ نرسو عليه، وتغرق القضية في بحر الظلمات. مازلت أراهن على أهل الرأي والحكمة من أبناء هذا الوطن لقطع الطريق على أحلام إسرائيل بعزل قطاع غزة عن الضفة الغربية. وبانتظار أن يأتي رجلٌ من أقصى المدينة يسعى بالحكمة والقنديل، تبقى عيون شعبنا على الوطن دامعة.
د. أحمد يوسف
المستشار السياسي لرئيس الوزراء إسماعيل هنية
خاص بالشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.