رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: مجزرة بيت لاهيا إمعان في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ونتيجة للفيتو الأمريكي    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    أيام إعلامية حول الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي والتصريح بالممتلكات وتقييم مخاطر الفساد    توقرت: 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    التزام عميق للجزائر بالمواثيق الدولية للتكفّل بحقوق الطفل    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    أمن دائرة بابار توقيف 03 أشخاص تورطوا في سرقة    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لهذه الأسباب تقصف غزة وتتواطأ الأنظمة العربية
خاص بالشروق: مذبحة غزة .. صراع السياسات والولاءات والمصالح

الدم الفلسطيني المظلوم المسفوح في شوارع غزة يكفي تماما لمنحنا القوة والجرأة لكشف دور الاطراف المتورطة في مجزرة نفذتها القوات الصهيونية بشكل سافر، اذ لم يكن من المتوقع ان يتم هذا الحجم من القتل بدون غطاء عربي رسمي ودولي..والموضوع بحاجة الى إلقاء نظرة الى الوراء لسبر حقيقة المواقف لكل المعنيين بالقضية الفلسطينية.
*
*
الموقف الأمريكي:
*
منذ بداية انطلاق حملة بوش واليمين الامريكي المتطرف على العالم الاسلامي والوطن العربي كان واضحا ان هناك خطوات سياسية أمريكية واضحة لتجميد القضية الفلسطينية وعزلها على اتجاهين الاول ضرب القيادة الفلسطينية التي لاتزال تشكل مرجعية وطنية وضمانة لاحتمال تشكل كيانية سياسية مستقلة، فكان قرار التخلص من عرفات بعد ان أوصت إدارة كلينتون بضرورة التخلص منه لعدم نضجه للتسوية.. والثاني تقديم وعود لطرف فلسطيني رسمي ضمن خطة سياسية تنتهي بالموقف الفسطيني الى ان يكون جسرا سياسيا للسياسة الامريكية التي وضعت نصب عينيها تفكيك الوطن العربي الى "كانتونات" طائفية وعرقية وكان غزو العراق الخطوة الكبيرة التأسيسية للمشروع الامريكي في المنطقة.
*
بعد موت عرفات انتهى خيار الكفاح المسلح على صعيد قيادة فتح التي أصبحت تعقد مؤتمرات مجلسها الثوري في ظل الاحتلال في رام الله وقد أعلن قادتها أن التسوية خيار استراتيجي لا بديل عنه بل لا شريك له، كما جاء على لسان محمود عباس قائد فتح أكثر من مرة..واتجهت قيادة فتح الجديدة الى القيام بالانتخابات التي ناضل عباس من أجل إقناع الامريكان بضرورة مشاركة حماس فيها..وذلك لإرغامها على الانصياع مؤخرا بالتسوية والقبول بشروط دخول المربع السياسي..واقتنع الامريكان بوجهة نظر عباس وأقنعوا الامريكان والاقليم بضرورة دخول حماس الانتخابات ..وأدخل الامريكان الفلسطينيين في دوامة الاستحقاقات الحزبية وشنوا الحصار عليهم مبكرا وألبوا العالم كله على الحكومة الفلسطينية وعلى حركة حماس وشجعوا أطرافا محلية وأخرى اقليمية لإرباكها وزجها في مسلسل العنف والفوضى ليسهل القضاء عليها وإخراجها من المسرح نهائيا.
*
كانت الوعود الامريكية لقيادة السلطة الفلسطينية بدولة قبل العام 2008 ليس الا من أجل تزويدها بمبررات الهجوم السياسي على حركة حماس وكسب تأييد محلي واقليمي في ذات الاتجاه ومضت السنوات سريعة ولم تسقط حماس بفعل تماسك تنظيمها وتهلهل تنظيم السلطة وتوزع ولاءات قياداتها الأمر الذي انتهى بقدرة حماس على الحسم السريع في الساحة، وكان هذا كله ضمن إدراك الامريكان الذين يعرفون دقائق الامور من خلال طاقم جواسيسهم العلنيين والسريين ومن خلال عملائهم المنتشرين في مفاصل الوضع المحلي والاقليمي ..فبدأ الاعداد لشطب حماس من على الخريطة السياسية بحصار تلو الحصار وبحملة منظمة لشد الخناق على قياداتها وجعل غزة إقليما متمردا.
*
*
الموقف الإسرائيلي:
*
لقد كانت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتوقع ان تنصب جهود حماس في البداية على مناكفات مع حركة فتح تنتهي بصراعات ميدانية يكون من شأنها إضعاف الفعل الفلسطيني وتعميق التفسيخ في الساحة الفلسطينية وإنهاء وجود كيان سياسي يمثل الشعب الفلسطيني سياسيا..ومن هنا كانت جهود الاسرائيليين منصبة على إذكاء روح التمزق الداخلي الفلسطيني بشتى الوسائل.
*
الا أن حماس أخذت في تطوير أدائها وأفكارها وممارستها السياسية الى درجة أصبحت تكون جملة سياسية حول القضية الفلسطينية ببعدها الوطني والقومي والاسلامي، الامر الذي يعني بوضوح ميلاد قوة وطنية تكون أكثر شبابا وقوة من حركة فتح التي أنهكتها الحروب على مدار أربعين عاما ففعلت الهزائم بتنظيمها وبقياداتها ما فعلت.
*
هنا أصبح التعامل مع حماس عنيفا وقد تمت تصفية قياداتها الرمزية والتاريخية بشكل عنيف وفي فترة قياسية لتوجيه الضربة الصاعقة لتنظيم بدأ يدخل الساحة بقوة أدائه وبتنامي قدراته..الى أن تمت تصفية عرفات الذي دعم بلاحدود حركة حماس وأطلق لها العنان في العمل العسكري في سنوات الانتفاضة الاخيرة..وجاءت قيادة جديدة للوضع الرسمي الفلسطيني تؤمن بعدم عسكرة الانتفاضة وتعتبر ان العمل السياسي من خلال المفاوضات السرية هو السبيل الوحيد الذي يمكن ان يحقق أهدافا وطنية للشعب الفلسطيني..كانت الخطوة الاولى لهذه القيادة ان دعت الى انتخابات فلسطينية تشريعية والاتصال بحماس لإغرائها بدخول العملية (الديمقراطية).
*
استجاب الكيان الصهيوني لضغوط الامريكان التي تفيد بضرورة قبول حماس في دخول العملية الانتخابية..الا ان النتائج المفاجئة والمخيفة لم تدع إسرائيل تنتظر طويلا فقامت بإعادة التوازن لصالح طرف على حساب طرف في الساحة الفلسطينية، ومن أجل ذلك اعتقلت عشرات النواب التابعين لحركة حماس بدون محاكمات وبدون تهم واعتقلت كل وزراء حكومة حماس المتواجدين بالضفة وكأنها كانت تريد القول غير مسموح لحركة حماس ان تتمدد الى الضفة الغربية وان يمكن لها كما مكن لها في غزة ..واستمر التحريض الاسرائيلي للاقليم والعالم كله ضد حماس من أجل انتزاع موقف الاعتراف بشرعية وجود إسرائيل..وقامت قوى محلية تابعة لأجهزة أمن فلسطينية وثيقة الصلة بأجهزة الامن الإسرائيلية والامريكية بإثارة المزيد من البلبلة والعنف في مواحهة حماس.
*
إلا أن إسرائيل لم تتوقف عند هذا الحد..لقد تمت سيطرة حماس على قطاع غزة أمام نظر الجيش الاسرائيلي وكانت إسرائيل تحقق من خلال ذلك هدفا استراتيجيا وهو إحداث الفصل السياسي بين المنطقتين الجغرافيتين المنفصلتين بحكم الجغرافيا: قطاع غزة والضفة الغربية وإرهاق الوضع الفلسطيني بأزمات وجودية تشتت قوته وتدفعه الى المزيد من التنازلات.. وبالفعل أدت الاشتباكات بين الفصيلين الفلسطينيين الى نتائج وخيمة على مستوى القضية والشارع، فلقد قتل في تلك الاعمال التناحرية مئات الشباب من الحركتين والأخطر ان حدث الانقسام الى كيانين واحد تحت سيطرة حماس والآخر تحت سيطرة أجهزة أمنية تابعة لفتح.
*
وجدت إسرائيل مبررات محلية واقليمية ودولية لشد خناق الحصار على غزة وحكومة حماس لاسيما بعد أن بدأت حماس تتحرك لجر الموقف الفلسطيني في معظمه الى جبهة سياسية ترفض العملية السياسية التي ينهجها عباس وتصر على إحداث تغييرات عميقة على مؤسسات "م ت ف" بما ينسجم مع نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، الأمر الذي يعني ان قيادة جديدة أكثر صلابة ستكون على رأس "م ت ف" .. من هنا كان لابد ان توجه الضربات العنيفة لحركة حماس على مراحل.. تكون المرحلة الاولى بإرهاقها في البحث عن منافذ لفك الحصار تصطدم كلها بطلبات الاعتراف بالمعاهدات والاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل ..وتزيد إسرائيل من خناق الحصار على غزة ..وانتهى الامر بتهدئة، كان المقصود منها إلحاق حماس بالموقف الرسمي العربي وبقيادة "م ت ف"، إلا أن الأمور على الأرض لم تكن كما شاءت إسرائيل التي تفاجأت بإصرار حماس على تطوير بنيتها العسكرية وعدم التراجع عن ثوابتها السياسية وإصرارها على عدم الاقتراب من موضوع الاعتراف بشرعية إسرائيل..وكان تحرك حماس الى ايجاد تحالفات سياسية عربية واقليمية تخدم موقفها هو الأمر الأكثر خطورة على صانع القرار السياسي والأمني في إسرائيل.
*
من هنا بالضبط كان لابد من تصعيد الامور للقضاء على حماس كحكومة وسلطة وكحركة قوية في الشارع الفلسطيني وإلحاق غزة بالضفة تحت إشراف أجهزة أمنية فلسطينية مهمتها فقط قمع محاولات المقاومة وتأمين المستوطنات والدولة العبرية.
*
*
الموقف الرسمي العربي:
*
الموقف الرسمي العربي لم يختلف في موقفه من قضية حماس عن موقفه من العراق قبيل الغزو الأمريكي له..وإن كان هنا يلجأ الى الاختفاء قليلا عن السفور الذي يدينه بشكل مباشر لشريك لما يحصل بأهل فلسطين.. وللحديث عن الموقف الرسمي العربي نجد أننا أمام صنفين من النظام العربي الأول وهو المتفاعل والمشارك بدأب في تفصيلات الأوضاع على اعتبار انها قضيته الأساسية لما لها من علاقات متداخلة بأمنه ودوره..والثاني خامل يكتفي بمواقف إعلامية ارتضى لنفسه التهميش والابتعاد عن التعاطي التفصيلي مع القضية الفلسطينية ظنا بأن هذا السلوك سيجنبه غضب الامريكان. وهكذا نجد أنفسنا أمام محور الاعتدال العربي كما أحب أصحابه ان يطلقوا عليه، وسنتناول مواقف مراكز فعل هذا المحور(مصر والسعودية وقطر والاردن ) وهو يجد امتدادات له في المغرب وتونس وموريتانيا.
*
*
الموقف المصري:
*
من العبث ان لا يكون للدولة المصرية دور في الملف الفلسطيني أو أن يطلب منها ذلك لعدة اعتبارات، أولها أمنها الاقليمي ولكونها الدولة العربية المحورية في المشرق العربي ولكونها ايضا صاحبة الحروب العديدة مع إسرائيل..إلا أن الموقف المصري ومنذ كامب ديفيد قد حدد معالمه وخطوطه الاستراتيجية الجديدة المتمثلة بالالتزام بالاستراتيجية الامريكية في المنطقة العربية والعالم الاسلامي والمتفاعلة بدأب لإنجاح المبادرات الامريكية في المشرق العربي تجلى ذلك بوضوح في موضوع العراق والموقف من ايران ومن عملية التسوية (أوسلو) بين الفلسطينيين وإسرائيل..وأصبح من أهم ثوابت الموقف المصري إرغام جميع القوى الاقليمية في المنطقة على الاستجابة للطلبات الامريكة ..وإنهاء ككل بؤر المقاومة في المنطقة وتفتيت محاور الممانعة التي تبديها بعض الدول والمنظمات..
*
كان الموقف المصري قويا في دفع الفلسطينيين الى التسوية بدءا من موقفهم من الاجتياح الاسرائيلي للبنان والذي اتسم بالصمت الذي يخفي قبولا ورضى بضرورة إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان وإنهاء قوة فعلها بعد ان تم عزل مصر من جامعة الدول العربية جراء اتفاقيات كامب ديفيد..على شاشات التلفزيون رأى الجميع كيف أصر الرئيس المصري ان يوقع عرفات على وثائق الحكم الذاتي مع بيرس في القاهرة..وأسهمت الاجهزة الامنية المصرية في تكوين أجهزة أمنية فلسطينية لها عقيدة سياسية أمنية مركزة حول قمع المقاومة مارست بعنف خلال ستة أعوام ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة..ووجدت هذه الاجهزة تسهيلات وتنسيقات عالية المستوى مع الاجهزة الامنية المصرية والاسرائيلية والدولية.
*
ظهرت حركة حماس في المقاومة منذ سبع سنوات كقوة رئيسية في الساحة الفلسطينية بعد أن ظهر للقيادة الفلسطينية فشل العملية السياسية وان انسدادا كبيرا يحول دونها وان الاسرائيليين والامريكان كانوا فقط يريدون إضاعة الوقت على الفلسطينيين ولا يريدون الا توقيعا فلسطينيا على التنازل عن كل الحقوق الاساسية الفلسطينية من حق العودة والقدس..فأطلق الفلسطينيون كل إمكانياتهم للمقاومة فشنت إسرائيل هجوماتها العنيفة على كل مؤسسات السلطة الفلسطينية وعلى قيادات العمل الفلسطيني وتمت محاصرة عرفات في المقاطعة برام الله واحتلال كل المناطق من جديد وفي النهاية انتهى الأمر بتسميم ياسر عرفات بعد ان رفض العرب استقباله لمؤتمر القمة ببيروت وفرضوا عليه ان يلقي بيانا مباشرا في المؤتمر..تم تسميم ياسر عرفات والتخلص منه والتهمة في ذلك تدور حول جهات فلسطينية واقليمية.
*
ظهرت حركة حماس كقوة مقاومة فاعلة في الساحة..فبدأ التوجس من وجودها على سير الامور في مسارات التسوية واستقرارها ..الا أن محاولة الرئيس عباس لاحتوائها المزدوج قدم تطمينات مؤقتة للاقليم وكذلك على المستوى الدولي، وقد بذلت مصر جهودا مضنية لاستيعاب حماس وتعديل مسار توجهها وتعديل تحالفاتها شيئا فشيئا ونجحت في بعض التفصيلات..وأبدت مصر صبرا على ذلك إلا أن حماس كانت مع كل ما تبديه من مرونة تتجه شيئا فشيئا بحكم الايديولوجيا والانتماء نحو التجذر أكثر في محور المقاومة والممانعة وترتب تحالفاتها بناء على ذلك الامر الذي كان يعني لمصر فقدانها دورها في الداخل الفلسطيني كمرجعية.
*
وبعد أن نشب الصراع بين التنظيمين أبدت مصر موقفا حياديا لكي تستطيع جذب الطرفين بل بدت أحيانا وكأنها أقرب الى وجهة نظر حماس..وأعطت حماس مصر هامشا كبيرا في قرارها وكانت التهدئة الاولى التي صاغتها مصر بين حماس واسرائيل، وكما صرح خالد مشعل بناء على طلب أمريكي واسرائيلي من مصر لتقوم بالدور..ورعت مصر حوارات للفصيلين المتصارعين الا أنها في النهاية وضعت صيغة نهائية تعتبر أرضية ضرورية لتحاور الفصيلين اشترطت فيها الالتزام بكل المعاهدات والاتفاقيات مع إسرائيل فرفضت حماس هذا الشرط..فكان الصدام بموقف مصر التي سريعا توجهت الى الهجومات الاعلامية كالعادة ضد حماس وأجندتها الخارجية وتحالفها مع ايران وسوريا..
*
دخلت إسرائيل على خط فحص النوايا لتضرب حماس وترى مدى رد الفعل الا ان حماس وفصائل المقاومة في غزة رفضت ان تمارس عليها أساليب الكي بالنار او الكي بالسياسة..فكانت ردود المقاومة مزيدا من قصف المستوطنات..هنا كان الموقف المصري واضحا وكما سربت وكالة أنباء الشرق الاوسط ان السيد عمر سليمان طلب من عامي جلعاد المبعوث الاسرائيلي الامني ان تلاحق إسرائيل عصابة خالد مشعل وان توجه إسرائيل ضربات لقطع رؤوس حماس..الرئيس المصري وكما أوردت صحيفة الحياة اللندنية عتب على رئيس وزراء فرنسا لماذا يهتمون بسوريا التي تحرض حماس على الارهاب وتمنعها من التهدئة مع إسرائيل..وكان خاتمة الموقف المصري ان دعت مصر وزيرة خارجية إسرائيل ليفني لزيارة لتنسيق المواقف التي خرجت بعد لقائها بوزير المخابرات المصري وفي مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية المصري لتقول ان إسرائيل قررت تغيير الأوضاع في غزة.
*
واضح أن معبر رفح المصري الفلسطيني مغلق بناء على قرار مصري صرف وبطلب من السلطة في رام الله التي لم يتردد رئيسها في الاعلان رسميا انه ضد فتح المعبر تاركا مليوني فلسطيني في سجن رهيب منذ أكثر من سنة ونصف سنة.
*
*
الموقف السعودي :
*
تحاول السعودية دوما لعب دور اقليمي في المنطقة وفي العالم الاسلامي وبمراجعة سريعة يمكن اكتشاف ان الموقف السعودي والمال السعودي يكون دائما في الحروب التي تعلنها أمريكا ضد الأطراف الاقليمية أو الدولية ..فلقد كان الموقف السعودي متلاصقا مع الموقف الامريكي ضد الروس في أفغانستان ومع أمريكا ضد الطالبان والقاعدة ومع أمريكا في دعم العراق ضد ايران ومع أمريكا ضد صدام والعراق ومع أمريكا في تفسيخ يوغسلافيا ومع أمريكا في حصار الصومال وتدمير ثروته الحيوانية.. وهكذا.
*
من هنا جاءت مبادرة فهد في مؤتمر القمة العربية بفاس عقب إخراج المقاومة الفلسطينية هذه المبادرة التي أسست لموقف عربي رسمي يتعاطى مع الاعتراف بإسرائيل وبشرعية وجودها.. وكانت المبادرة السعودية التي أصبحت مبادرة الجامعة العربية في مؤتمر القمة العربية تتويجا لموقف سعودي من القضية الفلسطينية في ظل تدمير إسرائيل كل مؤسسات السلطة واجتياح إسرائيل لكامل الضفة الغربية ومحاصرة الرئيس عرفات في المقاطعة جاءت المبادرة السعودية تشيع جوا من السلام واحتمالات التسوية.
*
دخلت السعودية على الخط بين فتح وحماس وضغطت بثقل كبير من أجل صيغة تفاهم لم تصمد كثيرا الا أنها استطاعت ان تشكل حكومة وحدة وطنية بين الفصائل الفلسطينية أسهمت في تفجير الأوضاع بشكل كبير..
*
كان دخول السعودية على الخط الفلسطيني الداخلي بمثل هذا الثقل يعني ان مصر فقدت قوة تأثيرها على المشهد الفلسطيني، الأمر الذي يفسره كثيرون على انه كان السبب الكبير في الدور المصري في تخريب الاتفاقية وانتهائها الى تلك الصورة المأساوية..أدركت السعودية انها تلعب في المرمى المصري فتراجعت وأعلنت أنها حاولت ولن تحاول مرة أخرى العودة لمثل مافعلت.. وأعيد الملف الى مصر التي حاولت مجددا إشراك الموقف العربي في موقفها واستطاعت مصر ان تتحصل من مؤتمر وزراء خارجية العرب على تفويض بأن تتفرد هي بمتابعة الملف الفلسطيني الداخلي وأدارت السعودية ظهرها لحركة حماس، وبدأ التصعيد ضدها الى درجة ان حجاج غزة حرموا من حج هذا العام بحجة عدم اعتراف السعودية الا بحكومة فياض، الامر الذي لم تمارسه السعودية العام الفائت عندما كانت لاتزال تظن ان بإمكانها لعب دور في المشهد الفلسطيني لاحتواء حماس.
*
*
*
الموقف الاردني:
*
كان الموقف الأردني سباقا في إعلان العداء لحركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، وكذلك لحكومتها ورفضت الاردن استقبال أي من وزراء حماس وفبركت المخابرات الاردنية قصصا أمنية زجت بموجبها أعدادا من أعضاء حماس في السجون، وتحدت حركة حماس ان تكون لها اي علاقة بأي تصرف يخل بالأمن الاردني، لكن الموقف الاردني سياسي بامتياز .. وفي تصرف عكس كل ما هو معروف عن السلوك الاردني تجاه حركة الاخوان المسلمين وحركة حماس بالذات، حيث كان الملك حسين يعتقد انها حليفة له في المكون السياسي الفلسطيني ويعمل بكل جهده للحفاظ على علاقة بها قد تفيده في القيام بدور اقليمي في المنطقة .. يبدو ان السياسة الاردنية تحركت منذ البداية لإقصاء حماس إدراكا منها ان الموقف الامريكي والاسرائيلي والاوروبي لن يتعاطى عما قريب مع حركة حماس.
*
تصاعدت لهجة اليمين الاسرائيلي واليمين الامريكي حول وطن بديل للفلسطينيين واقتراح ان يكون الوطن هو الاردن..وعلى الأقل ان تتم عملية توطين لملايين الفلسطينيين بالاردن واحتمال ان يقبل المفاوضون الفلسطينيون بعضا من ذلك أو كله ..هنا استشعر الساسة الاردنيون خطورة الموقف وضرورة إعادة الاتصال بحماس وبالفعل وجد اتصال الملك ومسؤولي مخابراته بقيادة حماس قبولا واسعا من قبل حركة حماس وتم الافراج عن معتقلي حماس بالاردن وطي صفحة الماضي ..والقصد من ذلك ايجاد حجر عثرة أمام مشاريع تستهدف أمن الاردن السياسي.
*
الاردن لها حساسية خاصة بالوضع الفلسطيني فالدولة في معظمها مشغولة من قبل الفلسطينيين حتى ان التقسيم بين البلدين هو تقسيم مستحدث وطارئ فلقد كان نهر الاردن نهرا فلسطينيا صرفا يمر في فلسطين التاريخية قبل تقسيم سايكس بيكو..ومن هنا يشعر الاردنيون انه لا ينبغي التوقف لحظة عن الانشغال بالملف الفلسطيني الداخلي والخارجي..
*
ان تنامي حركة حماس وقوتها يعني بالضرورة قوة حركة الاخوان المسلمين وتناميها بالاردن، الامر الذي يعني توسيع قاعدة سياسية للاخوان المسلمين في منطقة حيوية تستطيع الحركة من خلالها فرض نفسها في الشارع العربي كأقوى عامل تأثير وتغيير على مستوى المشرق العربي..
*
كل هذه المعطيات تجعل من الموقف الاردني تجاه الوضع الفلسطيني في غاية الدقة والحساسية ..فرغم ولاء كثير من قيادات فتح في الضفة للاجهزة الاردنية، إلا أن خوفا حقيقيا يسكن المؤسسة الاردنية من احتمال موافقتهم بتوطين الفلسطينيين بالاردن وإقالة حكومة فلسطينية هناك كما يصرح اليمين الاسرائيلي والأمريكي.
*
*
عباس وفتح وحماس:
*
لقد عرف الرئيس عباس انه صاحب مدرسة المفاوضات مع إسرائيل وانه هو مهندس اتفاقيات أوسلو التي أنشأت واقع السلطة الحالية..ومن المعروف عن عباس انه ضد عسكرة الانتفاضة حسب مصطلحاته وانه يسخر من الوسائل القتالية في المقاومة وانه لا يرى بديلا عن انتهاج خط سياسي يقنع الامريكان والغربيين بأن الفلسطينيين لا يريدون قتالا وأنهم يثقون بالامريكان وأنهم ينتظرون من الامريكان فقط حلا للقضية الفلسطينية..ويبدي الرجل التزاما شديدا بما يصرح به من أفكار سياسية.
*
كانت الامور تسير بتعايش هش بين خيارين متضادين داخل حركة فتح..خيار التسوية الذي له رموز وقادة وخيار المقاومة الذي يمثله قائد فتح وكوادر عديدين وجماهير فتح..كانت مفاوضات كامب ديفيد بين الاسرائيليين والفلسطينيين بإشراف امريكا تضع نهايات هذا التعايش عندما رفض عرفات التنازل عن حق العودة والقدس وترك المفاوضات دونما استجابة للموقف الامريكي، فجاءت الانتفاضة الثانية وكانت ضربات إسرائيل عنيفة لمعاقل السلطة وبدأت أصوات تخرج في الساحة الفلسطينية من قبل الاجهزة الامنية وجهاز الامن الوقائي بالذات تهزأ بعرفات وتتهمه بالجهل وتضييع الفرصة وبالفساد والدكتاتورية، وكثرت صيحات ودعوات الاصلاح التي انتهت بتحديد صلاحيات الرئيس وباستحداث منصب رئيس وزراء مفصل لشخص أبومازن ومجموعة من الوزراء المتفاهمين معه على خط التسوية والمروجين لها على رأسهم دحلان وسفيان أبوزايدة..الا أن حالة الغليان الشعبي وتصاعد الانتفاضة وعجز السلطة الجديدة من ايجاد حلول حقيقية لمشكلات مستعصية .. كل ذلك ساعد تيار المقاومة داخل حركة فتح لإسقاط الحكومة في مشهد تراجيدي بعد ان اتهمها عرفات بأنها "حكومة قرضاي"..سقطت الحكومة وبصعوبة تمكن أعضاؤها من الفرار من المجلس التشريعي برام الله وقد أطلق مجهولون النار على ساق نبيل عمرو أحد أكبر المروجين للتسوية وغاب أعضاء تلك الحكومة عن المشهد السياسي في انتظار الآتي..وكان موقف فتح خلف عرفات مزيدا من المقاومة والمواجهة ضد الاحتلال.
*
اشتد الحصار على المقاطعة ومنع عرفات من الخروج وأصبح واضحا ان عرفات بات عقبة في المنطقة لابد التخلص منها بعد ان سقط العراق في اتون الاحتلال الامريكي وتم إلقاء القبض على صدام حسين..كان لابد من الانتهاء من ياسر عرفات الذي دمر تداعيات أوسلو وأوقف إمكانية ايجاد اتفاقية صلح مع إسرائيل وبهذا كان خصما حقيقيا لمشروع عباس.
*
لقد اشترك عرفات وحماس في إسقاط أوسلو كل بوسيلته فاستحق الاثنان ان يكونا خصمين لدودين لعباس الذي سريعا عاد الى المشهد وبقوة بعد غياب طويل إثر موت عرفات مسموما بطريقة لاتزال تلقي بظلالها على المشهد كله.
*
لم تستطع فتح أو لم تشأ قياداتها من متابعة الكشف عن اغتيال عرفات ..وطويت صفحته ومرحلته وكان على فتح ان تدفع الثمن الأكثر خطورة في غياب قائدها واستلام مجموعة التسوية زمام قيادتها..
*
جاء دور حماس فكان موضوع الانتخابات التشريعية المصيدة الاكثر خطورة أمام حركة مقاومة صنعت واقعها من خلال الجهاد والمصابرة..جاءت الانتخابات التي رفضها عرفات عدة سنوات على اعتبار انه لا يجوز جعل المؤقت دائم..اذ ان الانتخابات مسمومة لأنها تسير ضمن سياقات سياسية لا تفضي الى سيادة واستقلال ذلك لأنها مسقوفة بالاحتلال..
*
فكانت الانتخابات التي انتهت الى تفتيت حركة فتح وخسارتها التاريخية لموقع القيادة وكانت هذه الضربة ضرورية لانتصار نهج التسوية فيها ذلك، لأن فتح كانت هي الضمانة السياسية الكبيرة للقضية الوطنية ولرفض التنازل عن الثوابت وصاحبة خيار البندقية وهي التي أسقطت حكومة أبومازن سقوطا ذريعا في المجلس التشريعي بانحيازها الى عرفات.
*
كان انتصار حماس في الانتخابات ليس بريئا..لقد تم من خلاله إنجاز عدة أهداف والقضاء على إمكانية ان تمثل فتح عائقا للتسوية والتخلص من نفوذ زعامات فتحاوية مسيطرة ثم التفرغ لحركة حماس والقضاء عليها على مراحل.
*
لم تكن حركة حماس في متناول القضم والتفتيت لأسباب ذاتية وموضوعية.. فهذه حركة تنتمي الى حالة تنظيمية عالمية حيث يتجند كل تنظيم الاخوان المسلمين في العالم لصالحها إمدادا ماديا ومعنويا وسياسيا وإعلاميا..ثم ان تنظيمها أكثر تماسكا مما كانوا يتوقعون..ثم ان عقيدة أبنائها تمنحهم مزيدا من الصبر والاصرار على المواجهة..زيادة على كل ذلك تحالفاتها الجديدة المتمثلة بعلاقاتها المتميزة مع ايران وسوريا وحزب الله..فإيران ترى ان علاقتها مع حماس أكثر من ضرورية لتكون جسرا لعلاقتها مع العرب وأهل السنة..كما ان سوريا ترى ان في علاقتها مع حماس مصدر قوة رئيسي يرجعها لتكون هي مركز التأثير في الاقليم.
*
هنا تتضح حدة المواجهة بين الخوف الصهيوني والارادة الامريكية ورغبات بعض دول المنطقة للعب دور ما في المنطقة لضمان مصالحها الاستراتيجية حسب ظنها من جهة ومن جهة أخرى حركة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية مدعومة من الموقف السوري والايراني ..الا ان المعركة أدخلت معاملات جديدة حيث أصبح الشعب الفلسطيني كله بكل فصائله والعرب بكل انتماءاتهم والمسلمين والاحرار في العالم في صف مواجهة إسرائيل.
*
انها ساعات حاسمة في تاريخ الحركة الوطنية الفسطينية وفي تاريخ القضية الفلسطينية..فإما ان تنتهي الى توقيع اتفاقية قد تم إنجازها وهي في الادراج الآن بين ابومازن وأولمرت..ويكون ذلك على أنقاض غزة أو أن تسقط التسوية الى الابد وتفتح صفحة جديدة من الكفاح الفلسطيني والعربي..على وقع الصواريخ ونزف الدم الفلسطيني ستتضح ملامح المرحلة القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.