على بعد 750 متر من شاطئ العوانة بولاية جيجل.. سماء صافية، طبيعة خلابة، غابات خضراء تمتزج مع زرقة الأمواج الهادئة، التي تدغدغ السمع.. طيور مغردة تلقي على زوارها السلام وتنتظر أن يجودوا عليها ببقايا الأطعمة المختلفة.. سحر المكان ومتعة العين... جمالها يصنع الإعجاب والروعة. هدوؤها يقهر القلق والاكتئاب.. تلك بعض سمات جزيرة “الأحلام”، التي يعرفها البعض من الجواجلة بأسماء كافالو، الماعز، فج الزرزور، العوانة وغيرها. إلى وقت غير بعيد، كانت هذه اللؤلؤة التي يتزين بها الكورنيش الجيجلي والبحر الأبيض المتوسط مكانا لقطعان من الماعز رمى بها صاحبها بعدما أصيبت بمرض معدي وخطير في البحر قبل أن تتنقل سباحة إلى الجزيرة وتتكاثر وتصبح متوحشة إلى غاية القضاء عليها من قبل الصيادين.. تتوفر الجزيرة على شاطئ صغير برمال ذهبية يسمح للعائلات المتوافدة عليه بالسباحة بأمان. ولمعرفة الأجواء بها انتقلنا نهاية الأسبوع إلى هاته الجزيرة وللوصول إليها لابد من التنقل من مدينة جيجل الى بلدية العوانة غربا بحوالي 25كلم. وكانت الطريق تعج بالزوار والاكتظاظ المروري في كل نقطة وعند وصولنا إلى شاطئ العوانة صادفنا مشكل إيجاد مكان ركن السيارة؛ فكل الحظائر الفوضوية مملوءة وهذا بسعر 100دج وبدون تذاكر قبل أن نتدبر الأمر، بعدها نزلنا إلى الشاطئ واتجهنا إلى جوار مشروع إنجاز ميناء الصيد والنزهة حيث تتشكل القوارب في طوابير تنتظر زبائنها لنقلهم إلى الجزيرة. وقد كان مرافقي عمر قد أثقلته المشواة والفحم ولوازم الإقامة بالجزيرة قبل أن يساعده صديقاه رضا وياسين لنركب قاربا لصاحبه وليد بعد مفاوضات حول سعر الرحلة والذي كان 800 دج ذهابا وإيابا لنا نحن الأربعة أي ب 200 دج للواحد. وقد أخبرنا وليد صاحب القارب بأن الحد الأقصى للركاب هو 04 أفراد وأحيانا يتم زيادة فردين لكنها مخاطرة وهي مخالفة للقوانين المعمول بها في البحرية، كما انه ملزم عليه إعطاء سترة الإنقاذ لكل الركاب، لكن الغريب انه لا أحد من أصحاب القوارب يعمل بها، وقد تكون الكارثة في حالة انقلاب قارب أو هيجان البحر، وقد استغرقت الرحلة الممتعة بضع دقائق فقط ليعلن وليد وصولنا إلى الجزيرة؛ حيث منحنا رقم هاتفه للاتصال به عند رغبتنا في العودة. وقد كان شاطئ الجزيرة يعج بالعائلات من كل ولايات الوطن. وأول شيء يسجله الزائر ذلك الهدوء الذي يخيم على المكان لأن كل واحد يبحث عن الراحة والاستجمام فقط سواء بين الصخور أم وسط غابات الجزيرة المترامية الأطراف. وقد فضل صديقنا عمر أن يجوب بنا أطراف الجزيرة من الناحية الشرقية حيث كانت مسيرتنا على الصخور لمدة أزيد من 35 دقيقة إلى أن وصلنا إلى مساحات صخرية واسعة يصعب على العائلات الوصول إليها حيث وجدنا الشباب في مجموعات والقادمين من مختلف ولايات الوطن وكلهم غبطة وسرور مع “لاقرياد” او الشواية والدخان يملأ المكان والطيور تحوم من كل جهة تنتظر رزقها، كما كان الشباب يلتقطون الصور التذكارية مع البحر والشواية ومناظر للجزيرة من كل الجهات. وقد استقر بنا المطاف تحت صخرة كبيرة كانت بمثابة مظلة تقينا حرارة الشمس المحرقة قبل أن يبدأ الأصدقاء في عملية إشعال الشواية والقيام بأعمال الغسل بمياه البحر للفلفل الأخضر والطماطم وكذا كمية الحوت التي أحضرناها، وقد وجد عمر صعوبة كبير في إشعال الشواية بسبب الرياح القوية إلا أن خبرة ياسين أنقدت الموقف وقد كان لطبق الشواية متعة كبيرة لدى كل المرافقين، كما قاسمنا مجموعة من الشباب العابرين للصخور لأطباق الحوت المشوي والفلفل وكذا طبق خاص تم إعداده من طرف رضا من فواكه البحر الملتصقة بالصخور، كما كانت فرصة للتعارف والاحتكاك مع أبناء الوطن الواحد بعدها ركن الجميع إلى النوم وبعد حوالي ساعتين قمنا بجولة سباحة قبل أن تغيب الشمس في منظر ساحر لنطلب صاحب القارب هاتفيا ونعود من رحلة تبقى ماثلة في أذهان الأصدقاء وتمنى كل واحد أن تتكرر. وهو نفس شعور كل العائلات التي زارت الجزيرة، والتي ستزورها مستقبلا لأنها قطب سياحي وإحدى المعالم السياحية النادرة بالكورنيش الجيجلي، والتي تبقى بحاجة إلى التفاتة للسلطات المحلية سيما من ناحية التنظيف وكذا فك المسالك في جبال الجزيرة ووضع معالم للزوار الجدد الذين لا يعرفون المناطق الخطيرة سيما على الأطفال لتبقى في الأخير جزيرة العوانة معلما سياحيا يستحق أن يزوره كل من يدخل مدينة العوانة وخاصة للذين يعانون من القلق والأرق والضغوطات النفسية.