حضرت أول أمس حفلا في إطار المهرجان الدولي للموسيقى الكلاسيكية، وكم هالتني الرسالة التي وجهها الحضور إلى الأوركسترا الوطنية السورية التي لم تبهر فقط الجمهور بأدائها الرائع، وإنما أيضا برسالة السلام والأخوة، وبشجاعة عناصرها الذين رغم الدمار الذي حل ببلدهم، لم يبدلوا الكمان بالرشاش، والناي بالقذائف الصاروخية، مثلما فعل أحدهم في لبنان. رسالة الجزائريين الذين صفقوا طويلا، ووقفوا وهتفوا باسم سوريا، والسلام لسوريا، أبكت عناصر الأوركسترا، وكانت الرسالة واضحة، من شعب عانى من ويلات الإرهاب. وحده الشعب الجزائري يمكنه فهم ما يتعرض له السوريون اليوم من مآس، ومن تخريب وتنكيل ومجازر، لأننا شاهدنا ما لا يتخيله عاقل. لأعد إلى مستجدات الساحة الدولية، وإبعاد شبح ضربة أمريكية على سوريا، بعد الاتفاق الأمريكي الروسي حول المقترح الروسي الذي يقضي بتفكيك الترسانة الكيميائية السورية. هذا الاتفاق سحب البساط من تحت المطبلين للحرب في الجامعة العربية التي أعطت منذ أسبوع الغطاء الشرعي للضربة التي كانت أمريكا تهدد بها. وظهر أن العرب لا يزنون شيئا في التوازنات الإقليمية، وإن صمت إيران بشأن هذه القضية كان أكثر ضجيجا من الصخب وطبول الحرب التي قرعت في الجامعة العربية. لكن ما كان لبوتين رجل المخابرات الذي يرفض المواجهة العسكرية، لينجح لا أقول في تركيع أمريكا، وإنما لفرض موقف بلاده العائدة بقوة بعد الحرب الباردة التي انتهت بتفكيك الاتحاد السوفياتي، ويفرض على أمريكا من الآن الأخذ في عين الاعتبار الجبهة الجديدة في منطقة الشرق، وواشنطن لم تعد تتخذ وحدها القرارات السياسية في العالم، ما كان له لينجح لو لم يكن أمامه أوباما، بل الغرب المتردد، فقد التمس قيصر روسيا في لقاءاته مع نظرائه في أمريكا وأوروبا أن الجميع يرفض الذهاب إلى الحرب، وأن الجميع يبحث عن مخرج يضعف سوريا، ويحميهم من التورط في حرب إقليمية يعرفون متى يفجرونها، لكن لا أحد يعرف متى وكيف تنتهي. وهذا ما جعل بوتين ينجح. وليس فقط بوتين من فاز بهذه الجولة الديبلوماسية ولا نظام بشار الذي ضمن أمامه أشهرا أخرى، عكس الشعب السوري الذي يذبح على يد عناصر جبهة النصرة وأخواتها باسم الجهاد وباسم الحرية والديمقراطية، وإنما الفائز الأكبر في المقترح الروسي الذي وقعت عليه أمريكا وتبعها الآخرون أمس، هي إسرائيل التي كانت دائما عينها على ترسانة الأسلحة السورية، والتي تدعي بأنها أهم ترسانة في المنطقة، لأن تقويض القوة السورية كان دائما الهدف من كل الفوضى الحاصلة في المنطقة. فتدمير القوة العسكرية السورية يضمن لإسرائيل سنوات من الأمن والاستقرار، وتدمير سوريا، يعني إضعاف حزب الله، الذي يعد منذ سنوات العدة ليوجه ضربة لإسرائيل، ضربة تفادتها أمريكا أمس، بقبول المقترح الروسي. لا أدري إن كانت الأوركسترا السورية ستعزف سيمفونيات السلام، أو سيمفونية “المسيرة التركية” لموزار، في دمشق أو حلب. أم أن مصير سوريا لن يختلف عن مصير العراق الذي فتح كل أبوابه للمفتشين عن السلاح النووي ولم يجدوا شيئا، ومع ذلك دمر العراق. فهل أجلت أمريكا الضربة القاضية إلى حين؟!