أغلب الجمعيات تتمركز في العاصمة بجاية وتيزي وزو يجمع الكثير من متتبعي العمل الجمعوي في الجزائر، أن البلاد شهدت تراجعا في هذا الإطار مقارنة بفترة السبعينيات مثلا، حيث كانت الجمعيات مكانا للتكوين والتدريب على تحمل القضايا العادلة وصناعة الأفكار . في السبعينيات كانت الجمعيات رغم القبضة الحديدة لنظام الحزب الواحد آنذاك، مكانا تخرجت منه أسماء لامعة في مجالات الفكر والقيادة، وكانت دائما في مقدمة الخطوط في أي معركة يخوضها الوطن. لكن المفارقة أن الجزائر بعد التعددية عرفت انفجارا في عدد الجمعيات (قرابة 100.000 جمعية) حسب أرقام وزارة الداخلية إلى غاية جانفي 2012، لكنها غير فاعلة وأغلبها صارت هياكل للبزنسة والتزلف والصعود السريع نحو المناصب ودخول دهاليز السلطة، التي عرفت من جهتها كيف تستغل هذه الهياكل وتحولها من مؤسسات لصناعة الرأي إلى هياكل للكولسة الإدارية وصناعة العصب وعقد الصفقات وتهيئة الولاءات. أسباب تراجع أداء المجتمع المدني في الجزائر؟ ودور الجمعيات ومسؤولياته تجاه ما يحدث في المجتمع من تردي. أسئلة يحاول أن يجيب عنها بعض الفاعلين في المجتمع المدني. في أرقام تعود إلى العام الماضي أحصت وزارة الداخلية والجماعات المحلية قرابة 100.000 جمعية”93654”، من بينها 1027 جمعية وطنية، أغلبها غير موجودة على الورق. وحسب موقع وزارة الداخلية فإن هناك21 تخصصا ومجالا تنشط فيه هذه الجمعيات، منها32 جمعية لقدماء الطلبة و 7 جمعيات حقوقية و 20 جمعية أجنبية و 9 جمعيات ثورية للمجاهدين وأبناء الشهداء وقدماء محاربي الشرق الأوسط والمحكوم عليهم بالإعدام و23 جمعية نسوية و 10 جمعيات دينية، و 28 جمعية في مجال التطوع والتضامن و25 جمعية للصداقة والتبادل، و 143 جمعية ثقافية وفنية، و 50 جمعية للشباب و 14 جمعية للمراهقين و18 جمعية لذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين و21 جمعية تاريخية وتراثية، و151 جمعية صحية، و 334 جمعية مهنية وغيرها. كما قدرت وزارة الداخلية عدد الجمعيات المحلية ب92627 جمعية منها 20137 جمعية خاصة بالأحياء، وهي تمثل 21.74 من عدد الجمعيات تليها الجمعيات الدينية ب 15304جمعية على المستوى المحلي وجمعيات الرياضة والتربية والشباب ب 15019، إضافة إلى 14891 جمعية لأولياء التلاميذ. وحسب إحصائيات وزارة الداخلية التي تعود إلى العام الماضي، فإن الحركة الجمعوية تتركز في ثلاث مدن كبرى هي العاصمة ب 7199 جمعية وبجاية ب 5109 وأخيرا تيزي وزو4809. قراءة بسيطة في هذه الأرقام تمكننا من إعطاء تفسير بسيط و هون أن الفساد ينجر القطاعات التي تشهد أكبر قدر ممكن من الجمعيات، و إلا فما معنى أن يكون لدينا 20137 جمعية خاصة بالأحياء وتكون أغلب مدننا وحوارينا مزابل على الهواء.. ما دور جمعيات الأحياء هذه إذا لم يكن نهب المال العام واستغلال أسماء الجمعيات لأغراض التسلق والوصول إلى المناصب وتحقيق مكاسب؟ وما معنى أن تتصدر العاصمة قائمة المدن من ناحية عدد الجمعيات وهي تعيش الفوضى والتصحر وانهيار القيم لو كان لتلك الجمعيات موجودة على أرض الواقع ؟ وما معنى أن تسجل وزارة الداخلية 15019 جمعية خاصة بالشباب ونحن نسمع يوميا عن استفحال مشاكل الإدمان والاختطافات والانحراف والتسرب المدرسي وغيرها؟. ما جدوى أن تكون لنا 15304 جمعية دينية ونحن نرى الانحدار اليومي في الذوق والأخلاق والحياة وغيرها؟ ما معنى كل هذا إذا لم تكن الجمعيات فعلا قد تحولت إلى هياكل للنهب والسرقة والتزلف، فقد أعلن مثلا كاتب الدولة المكلف بالشباب والرياضة السابق، بلقاسم ملاح، أن الوزارة دفع 15 مليار سنتيم لأكثر من 200 جمعية شبانية وأن 60 في المائة من تلك الجمعيات غير فعالية.. الأمر الذي دفع الوزير يومها إلى إطلاق تصريح ناري ضدها، ناعتا إياها بجمعيات التنديد والمساندة فقط. فأغلب تلك الجمعيات تختفي فجأة أو تدخل في سبات عميق، وتستيقظ فقط في المواعيد الانتخابية ومواسم الركض نحو المكاسب، خاصة أن دراسات في هذا المجال أكدت أن نسبة الانخراط في الجمعيات ضعيفة جدا في الجزائر ولا تتماشي والانفجار في عدد الاعتمادات الممنوحة سنويا للجمعيات، فهي لا تتجاوز 3 % و4 %، مقابل 11 % في المغرب و44 % في فرنسا، وأن 80 في المائة من الجمعيات التي يمنح لها الاعتماد تنسحب وتموت أو تدخل في نشاط موسمي!.