قال الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، إنه ليس من مهمة المخابرات التحقيق في الفساد! لا أدري من أوحى للسيد سعداني بهذه الفكرة، وهل هو الخوف من كشف المزيد من قضايا الفساد، أم ماذا؟ لأن التحقيق في قضايا الفساد لا يعني المخابرات وحدها، حتى وإن كانت هي المعني الأول بالتحقيق لأن من مهامها الأساسية حماية الاقتصاد الوطني، فحماية الاقتصاد الوطني وأمنه جزء من أمن البلاد؟ وكان على الأمين العام للأفالان أن ينتبه أكثر إلى هكذا تصريحات، لأن كلاما كهذا إن لم يصنفه في خانة الخائفين على أنفسهم، فإنهم سيجني على مستقبله السياسي، فالسياسي الذي لا يرغب أو يرفض التحقيق في قضايا الفساد سيفهم من تصريحاته أنه يخاف على نفسه. ثم إن التحقيق في قضايا الفساد لا يعني المخابرات وحدها، وإنما يعني الجميع، الصحافة ورجال السياسة، والسيد سعداني بحكم أنه رجل دولة وسياسي محنك معني هو الآخر بالتحقيق في الفساد، بل ومطالبة العدالة بمعاقبة المتسببين فيه، وليس فقط التحقيق فيه. والمخابرات مثل الصحافة ومثل المواطن الذي من حقه، إن كان مطلعا على الفساد، أن يخطر العدالة بذلك وإلا سيعاقب في حال لم يفعل. فالجميع أداة من أدوات العدالة في محاربة الجرائم الاقتصادية. والمخابرات التي يلومها السيد سعداني هي أول المعنيين بالتحقيق في هذه القضايا، إلى جانب قضايا أخرى. لا أدري ما هو تصور الأمين العام للأفالان عن الدور المطلوب من المخابرات؟ هل الجلوس في مكاتبهم وأخذ رواتبهم في نهاية الشهر؟ فإن لم تتصد المخابرات للفساد بحكم خبرتها في التحقيق وبحكم دورها في مراقبة كل صغيرة وكبيرة، فمن سيتصدى لذلك؟ ألا يدري الأمين العام للجبهة العريقة، أن المواطنين يلومون المخابرات، ليس لأنها حققت في الفساد، بل لأنها سكتت عن قضايا الفساد كل هذه المدة، وتركت الكارثة تكبر أكثر، بحيث يصبح فك خيط واحد من خيوطها، يفجر لغما من الألغام الكثيرة التي نخرت جسد الجزائر. كنت أتمنى أن يتحدث الأمين العام الوافد الجديد على رأس حزب، عانى الكثير من الفساد هو الآخر، عن كيف يرى مستقبل الجزائر في هذا الغموض الذي يلف البلاد، وأن يعطينا قراءته لما يجري، أو بالأحرى لما لا يجري على الساحة السياسية استعدادا للرئاسيات المقبلة، وأن يعطينا وجهة نظره لكيفية العودة بالجبهة إلى مكانتها في البلاد، بعد الهوان الذي لحق بها، أو كيف يرى الدور المطلوب من البلاد أن تلعبه إقليميا في هذا العالم الذي يمر بتحولات عنيفة، لا أن يطعن في مصداقية أهم عمل قامت به المخابرات في الآونة الأخيرة، إلا إذا كان في الأمر نية للتراجع عن محاربة الفساد الذي تحدث عنه الرئيس نفسه ووعد بمعاقبة كل المتسببين فيه مهما كانت درجة مسؤولياتهم!؟