يتجه الحجاج، هذه الأيام، أفواجا أفواجا إلى البقاع المقدسة، تاركين وراءهم الأهل والبلد والمال، قاصدين وجهه تعالى ورضاه ومغفرته. وقبل شد الرحال يتعين عليهم وفق ما يمليه عليهم العرف والعادة الالتزام ببعض الطقوس على غرار إقامة المأدبات، توديع الأهل وكذا التسامح مع الخصوم وتسجيل طلبات المقربين. يلتزم الحجاج ببعض التدابير والخطوات التي تمليها التقاليد الجزائرية قبيل التوجه إلى بيت الله الحرام، فبمجرد التأكد من الحصول على فرصة السفر لقضاء فريضة الحج، تبدأ تحضيرات القيام بمأدبة الغذاء أو العشاء، ومن ثم الإنصات لطلبات الأهل والأحباب المتمثلة في بعض الأشياء المتوفرة في السعودية على غرار ماء زمزم، المسك، الأقمصة وبعض الأعشاب. فيما يستغل آخرون فرصة أداء الركن الخامس من الإسلام لطلب العفو من الأشخاص الذين كانت معهم عداوات أو خصومات سابقة، بغية السفر وهم مرتاحو البال. الوعدات والولائم.. من تقاليد إلى واجبات من بين أكثر طقوس توديع الحجاج لذويهم شيوعا، تلك التي الولائم التي تقام على شرف زيارتهم للبيت الحرام. وإن كان كثيرون يؤجلونها إلى حين عودتهم سالمين، فإن البعض لا يقدم على السفر إلا بعد أن يجمع الأهل والأحباب على مأدبة طعام فاخر تليق بالمناسبة. رشيد، هو أحد المحظوظين الذين اختارتهم قرعة الحج لا يفصله عن موعد سفره إلا 5 أيام. يقول أنه قد حضر كل المستلزمات لأجل إقامة وليمة أصر أن يدعو إليه جميع أفراد عائلته. وقصد أن يجمعهم في بيته بنية توديعهم قام محدثنا بذبح خروفين لإعداد طعام الغذاء. ومن جهتها قامت سميرة، هي الأخرى، بإقامة مأدبة على شرف سفر زوجها الأسبوع الماضي. وفي سياق متصل تقول:”أصر زوجي على دعوة الأقارب للغذاء قبيل سفره، ورغم أن المأدبة كانت بسيطة إلا أنه سرّ بها كثيرا، لاسيما أنها كانت مناسبة للم شمل العائلة من أجل توديعهم وكذا التعرف على طلبات كل فرد من ”بركة” مكة المكرمة”. فيما اختار الكثير من الحجاج وعائلاتهم إعداد الطعام والتصدق به للفقراء والمحتاجين. ومن بين هؤلاء التقينا خالتي العالية، التي تقول إن أولادها قد أشاروا عليها بتحضير الطعام والتصدق به إما لدار العجزة أو دار الأيتام، منوهين أن الصدقة لهؤلاء أكثر قيمة من إطعام من هم مكتفون ماديا. وتضيف محدثتنا في سياق متصل أن الفرحة التي رسمت على وجوه الصغار لحظة دخولها بأشهى أنواع الأطباق، تبعث في نفسها راحة وطمأنينة من أن هدفها من الوليمة قد تحقق. قوائم طلبات وأمنيات قبل السفر.. فور دراية الأهل بسفر أحد الأفراد إلى البقاع المقدسة تبدأ قوائم الطلبات تتوافد عليهم. وبين راغب في ماء زمزم، وطالب للحناء السعودية، وملح على بعض الأعشاب والزيوت، يختلف هؤلاء. فيما يجتمعون بطلب الدعاء الكثير لهم بالصحة والعافية وغيرها من الأمور التي ينتظرها العبد من ربه، مصرين على ذكر أسمائهم فردا فردا، مع التركيز على الأمنية في أماكن معينة أهمها الحجر الأسود وقبر الرسول عليه الصلاة والسلام. وفي ذات السياق أخبرنا الكثيرون بأهم ما طلبه منهم المقربون، من بينهم مصطفى الذي قال إن أولاده وزوجته حملوه أمانة الدعاء. فيما طلبت منه والدته أن لا ينسى ماء زمزم المبارك والحناء كذلك، وأصرت عليه أخته أن يشتري لها ”شجرة مريم” أملا في الإنجاب. وأضافت هجيرة في ذات السياق أنها قامت بتسجيل 3 طلبات لشجرة مريم من طرف صديقاتها المقربات اللاتي يطمعن في الإنجاب. كما أصرت أخريات على طلبة حناء المدينةالمنورة التي يقال إنها بركة تخلص الفتاة من العنوسة، حسبما يروج لدى البعض، ليبقى الدعاء وماء زمزم أهم الطلبات لدى الجميع. جولات الوداع تريح الحجاج وتبعث الحزن في ذويهم لا يقدم أي حاج على مغادرة أرض الوطن دون توديع الأهل والأحباب. ورغم أن التوجه إلى أي بلد آخر يغني أغلبهم عن القيام بهذه الخطوة، فإن للحج وحرمته قيمة خاصة وتدابير معينة. غير أن جولة الوداع التي تتم بين بيوت الأهل ومنازل الأقارب تبعث في نفس هؤلاء الكثير من الحزن والهيبة اللذين طالما ارتبطا بالحج. وفي سياق متصل يقول سفيان إن زيارة والده لأقاربه الأسبوع الماضي من أجل توديعهم تركت في نفس الكثير منهم حزنا عميقا وشوقا كبيرا لرؤيته حين عودته. ومن جهتها تقول مريم إنها قامت بجولة يوم أمس لعدد من أفراد عائلتها قبيل السفر الذي سيكون بحر هذا الأسبوع. ورغم الراحة والطمأنينة التي شعرت بها وهي تستودعهم أمانة بيتها وأولادها، إلا أنها شعرت بالحزن يملأ قلوبهم وعيونهم التي فاضت دمعا. وفي سياق متصل، يقوم الحجاج كذلك بالتصالح مع من تجمعهم بهم عداوة أو سوء تفاهم، فالحج خير مناسبة بالنسبة لهؤلاء من أجل تصفية القلوب من كل ضغينة أو غضب من بعضها البعض، وهو ما قاله لنا رشيد الذي يعتزم السفر بعد 5 أيام، منوها أنه طلب العفو والمسامحة من بعض أصدقائه الذين كان على خلاف في الرأي معهم. كما قام بمصالحة أخويهم مع بعضهما، مشيرا إلى أنه يعتزم الرحيل وهو مرتاح البال من كل النواحي.