غادرت أولى أفواج الحجاج الميامين أرض الوطن باتجاه بيت الله الحرام، لأداء مناسك الحج التي لا يفصلنا عنها سوى أسابيع، ولتوديع هؤلاء في المجتمع الجزائري عادات وتقاليد خاصة أصبحت راسخة لدى العائلات التي لا تترك مجالا للصدفة في الاهتمام بشؤون الحاج، حيث لا يقتصر الأمر عند حرص الحاج على نعلم مختلف المناسك، بل يتعداه إلى إقامة الوعدات والولائم التي يحضرها الجميع احتفالا بهذه الشعيرة الدينية التي تحتل مكانة خاصة في قلوب الجزائريين. . بمجرد أن تعلن وزارة الشؤون الدينية عن قائمة المرشحين لأداء مناسك الحج، تبدأ العائلات المعنية بهذه المناسبة في التحضير لوداع حجاجها بتسخير جميع الإمكانيات مادية كانت أو بشرية لإنجاح ذلك الاحتفال الذي يتميز بطقوس تختلف من منطقة إلى أخرى ليغادر بعدها الحاج منزله باتجاه المطار في موكب مهيب يرافقه فيه أهله وأصدقائه، وتسوده أجواء إيمانية لعظمة المكان وقدسيته. ولائم ووعدات ضخمة لتوديع الحجاج وللإطلاع أكثر على طقوس توديع الحجاج ومختلف الاستعدادات المرافقة لها قامت »صوت الأحرار« بجولة في العاصمة، وفي هذا السياق، يقول عمار في الأربعينات من العمر أنه لدى مغادرة والده الوطن باتجاه البقاع المقدسة لأداء مناسك الحج السنة الماضية، قامت عائلته بإعداد وليمة لكل الذين حضروا إلى المنزل من ذوي القربى والجيران لتوديع والده، وبما أنه من الشرق الجزائري تمثل الأكل في طبق»الكسكسي« بلحم الغنم الذي يرافق كل المناسبات التي ينظمونها وهذا بعد شراء كل الضروريات بداية بالكبش. نفس الاهتمام بالحج وجدناه عند مريم سيدة في الستينات وهي تعود أصولها إلى مدينة بوسعادة، حيث أكدت بأن للحج في هذه المدينة العريقة من الصحراء الجزائرية، طعم خاص اهتمام كبير،والطقوس التي ترافقه تختلف تماما عن تلك المعروفة في الولايات الأخرى من الوطن، حيث يجمع أهل الحاج أو الحاجة كل الدجاج والبيض الذي لديهم لمدة 15 يومًا قبل توجه الحجاج إلى البقاع المقدسة ويقدمونها هدية لأهاليهم قبل يوم من الرحيل، هذه العادة، كما تقول، »توارثناها من أجدادنا«. مضيفة »يُسلق البيض ثم يأخذه الحجاج معهم إلى الأراضي المقدسة ليأكلوا منه ويحتفظ بالمتبقي ليأكله الحجيج عند عودتهم«. وفي السياق ذاته، تضيف نفس المتحدثة بأنه قبل ثلاثة أيام من موعد الحج يُعدّ أهل الحجيج ما يسمى »الكرامة«، وهي صدقة من طعام كثير يُطبخ باللحم ويُدعى إليه الأقارب والجيران، ويعتبر أهل الحجاج هذه العادة »الوداع الأول للحاج«، ثم يأتي الوداع الثاني والأخير حين ينتقل الحجيج إلى المساجد ومنها إلى الحافلات ثم المطار محطتهم الأخيرة بالجزائر في الطريق إلى المملكة العربية السعودية. الصدقة والتسامح.. لحج مقبول لا يقتصر الاستعداد لتوديع الحجاج على إقامة الولائم ومأدبات الغذاء فقط، بل يحرص الحاج من جانبه على القيام بعدة أمور حتى يغادر الأهل والجميع راض عنه ولا يحمل له في قلبه بغضاء حتى يكون حجه مقبولا وذنبه مغفورا بإذن الله، وعليه تقول الحاجة حورية التي أدت فريضة الحج لعدة مرات أن التسامح أحد أهم الطقوس المرتبطة بأداء فريضة الحج لدينا نحن كجزائريين، مضيفة بأن كل مرشح للحج وبمجرد اقتراب موعد سفره، يحرص على تحسين علاقاته مع من يحيطون به والتواصل مع جيرانه وعائلته وأقاربه ومعارفه لتوديعهم، طالبا منهم المسامحة عن كل ما بدر منه في حقهم، مشيرة إلى أن الحجاج ملزمون كذلك على بعث علاقات جديدة بالأشخاص الذين كانوا مقاطعينهم، هذا مخافة أن يدركهم الموت في بيت الله وهم على خلاف مع أحد، وبالتالي لا يغفر الله لهم ولا يقبل حجهم. تعتبر الصدقة أيضا من الأمور المرتبطة بالحج، حيث يحرص المقبلون على الحج على إخراج الصدقات للمحتاجين والفقراء، وفي هذا الإطار يقول عمي عمر كهل في السبعينات من العمر أنه من بين الأمور التي يحرص عليها الحاج هي الصدقة التي تلعب دورا كبيرا في إبعاد المصائب، وعليه يقوم الحجاج كما كان الحال بالنسبة له بتوزيع الصدقات فترة قبل زيارتهم لبيت الله الحرام وذلك على شكل أموال أو من خلال دعوة الناس إلى بيوتهم وإطعامهم. ماء زمزم، وشجرة مريم، للإنجاب، و»تمر مكة« لتزويج البنات تتهاطل على المتوجهين إلى الحج طلبات من الأهل والأقارب والجيران، كل حسب احتياجاته، حيث يشد الحاج أو الحاجة الرحال وفي جعبته قائمة تتنوع بين هدايا واحتياجات لا نجدها إلا في مكةالمكرمة، بداية بالدعاء لهم هناك عند قبر النبي وأمام الكعبة كل باسمه وبتحديد ما يريدونه، على اعتبار أن الدعاء في هذه الأماكن المقدسة مقبول، بالإضافة إلى السجادات والسبحات وغيرها من الملابس التي يكون لها أثر خاص في نفسية الفرد كونها أحضرت من الكعبة المشرفة. ومما لا شك فيه أن الهدايا التي يجلبها الحجاج معهم فيها من البركة الكثير، وهو الأمر الذي يجعل الكثيرين يعتبرون فيها الدواء الشافي لكل ما يعترض طريقهم من مشاكل في الحياة، وبغض النظر عن صحة تلك المعتقدات أو خطأها فهناك البعض منها الذي لا يحتاج على دليل كماء زمزم الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام )) مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ ((. وفي ذات السياق تقول نجية، أنها لدى ذهابها إلى الحج طلب منها إحضار »شجرة مريم« ولباس الإحرام لإحدى السيدات اللواتي حرمن من الإنجاب ، والتي نصحها الكثيرون بالاستحمام بماء زمزم والمسح بلباس الإحرام حتى تتخلص من أي سحر أو عين تحول دون تمكنها من الإنجاب. نفس الطقوس للبنات الغير متزوجات، حيث يمكن للفتيات أن يستفدن من بركة الحج بالحنة وشرب ماء زمزم لتتحقق كل أمنياتهن في الزواج، هو ما جعل الفتيات يتهافتن على أي حاج أو حاجة من الأهل والأقارب للحصول على نصيبهن من بركة الحج، حيث تقول ناريمان شابة في الخامسة والثلاثين من العمر، لا تترك الفرصة تفوتها عندما يذهب أقربائها إلى الحج من أجل أن تحظى بتمرة أو حناء من البقاع المقدسة.. لعلها تبلغ مرادها في الزواج وتكوين أسرة بعدما سمعت الكثير عن حنة مكة التي تحقق الأحلام وسبع براقات الحمام التي تزوج البنات، وعن الحنة تقول أمينة، » نصحوني أن أضع حنة الحج حتى أتزوج على أن تضعها لي امرأة غريبة من خارج عائلتي وخارج بيتنا«. استقبال بطراز ''خمس نجوم'' عودة الحجاج تعد هي الأخرى مناسبة لا تفوتها الأسر الجزائرية، وبالرغم من التكاليف الباهظة هذه السنة للحج والتي بلغت 36 مليون سنتيم، لم تتوان العديد من العائلات في التحضير لاستقبال حجاجهم بمجرد وصولهم إلى المطار، حيث تخصص لنقلهم مواكب تعبيرا عن فرحة العودة إلى أحضان الأسرة والأهل بعد تأدية فريضة الحج، لدرجة أن أصحاب السيارات الفاخرة أصبحوا مطلوبين بكثرة في هذه المناسبة، وهو ما يحدث اكتظاظا كبيرا على مستوى المطارات، التي تعج بمواكب الحجيج من كل الولايات. وتعد الوعدات تقليدا لا نقاش فيه وذلك بنحر الأغنام، وتطبع تلك الأفراح جل العائلات بعد عودة الحجيج وتميزها طقوس خاصة تعبر عن ابتهاج الجميع بتأدية أحد الأفراد للركن الخامس من أركان الإسلام، وعادة ما تميزها الوعدات على شرف الحجاج، وتتم دعوة الأقارب إلى تلك الوعدات التي يزيد الحاج أو الحاجة ذلك اللباس الأبيض صفاء ونقاء. وفي هذا الإطار تقول إحدى السيدات التي ودعت عائلتها مؤخرا باتجاه مكة أن الاستعداد لاستقبالهم يشغل بال العائلة بأكملها، لذا فهي تحضر على قدم وساق كل ما يتطلب ذلك، بداية بتحضير البيت وتنظيفه لاستقبال الزوار، كما أن يوم قدومهما سيعرف استعدادات خاصة ستكون بالذهاب المبكر إلى المطار في موكب خاص بهما، لتستمر تلك الأجواء حتى بعد العودة بهما إلى المنزل، حيث سيجتمع الأقارب والأصدقاء والجيران للترحيب بهما وتقديم التهاني لهما على أداء مناسك الحج وزيارة مكةالمكرمة.