ها هو الربيع العربي يزهر فوضى في ليبيا، وتصل الفوضى إلى حد غير مسبوق، اختطاف أكبر مسؤول في البلاد من سريره من قبل أكثر من مائة مسلح جاءوا على متن العشرات من السيارات، ليخرجوه من إقامته بثياب نومه، للتحقيق معه من قبل إحدى الميليشيات التي تتحكم في ليبيا. وماذا كان المجتمع الدولي ينتظر غير هذا من ليبيا الجديدة؟ ماذا كانت تنتظر أمريكا من بلاد هي أصلا من خططت لنشر الفوضى بها، مثلما فعلت في العراق والصومال، ومثلما تريد فعله في سوريا؟! ليست الحكومة الليبية وحدها التي تغض البصر عن الميليشيات على تعددها في ليبيا، وتوكل إليها مهمة “حفظ الأمن” و”تطبيق” القانون، بل أمريكا هي الأخرى كانت وما تزال تتعامل مع هذه الميليشيات حتى بعد قتل إحداها سفيرها في موقعة بنغازي السنة الفارطة، غير معترفة بالدولة، ربما لأنها تدري أنه لا توجد هناك دولة في ليبيا، بل ولا تريد أن تقوم بليبيا الجديدة دولة! كل ما هناك حكومة ضعيفة غير قادرة على تطبيق القانون، بل غير قادرة حتى على حماية رجالها، وما اختطاف رئيس الوزراء علي زيدان إلا حلقة من مسلسل اختطافات واغتيالات وتفجيرات تعيشها ليبيا يوميا، ويوما تأتينا أخبار بأن الميليشيا الفلانية سيطرت على المطار الفلاني ومنعت الطائرات من النزول أو الإقلاع، وأن الميليشيا الأخرى، سيطرت على آبار النفط وهي تتحكم الآن في تسويقه بطرق غير شرعية، والأخرى جردت الناس من ممتلكاتهم وبيوتهم بغير حق. ولا حكومة علي زيدان، ولا أصدقاء “الثورة” الليبية صاروا يهتمون لما يجري في ليبيا من مظالم ودوس على القانون، فلكل ميليشيا قانونها وجيشها الذي يحمي مصالحها. ها هو المجتمع الدولي يكتشف مرة أخرى حجم الفوضى العارمة التي تعيشها ليبيا ما بعد القذافي، ليبيا التي يبدو أنها ما زالت وفية لحكم اللجان الشعبية التي كانت تتحكم في البلاد زمن القذافي، واكتشف أن “الثورة” المزعومة لم تحرر الإنسان الليبي، ولا ثرواته التي انتقلت من يد القذافي وأهله، إلى يد الميليشيا، والشركات الأجنبية، بل إن الليبيين صاروا يترحمون على زمن القذافي بعد كل الظلم الذي لحقهم على أيدي الجماعات الإرهابية التي تسمي عناصرها ثوارا. فليس من مصلحة الميليشيات، ولا الدول الغربية التي أسقطت القذافي، أن تقوم هناك دولة مركزية تعيد للدولة هيبتها، وتبسط سيطرتها على ثروات البلاد. فمثلما “منع” العراق ما بعد صدام من بناء دولة قوية، تطبق أمريكا وحلفاؤها نفس المنطق مع ليبيا، فأينما وجد النفط، تعمل أمريكا على زرع الفوضى. اختطف زيدان، بناء على اتهامات، وتم تحريره بعد تراجع الجهة التي اختطفته عن التهم، وها هو يسافر إلى فرنسا، وانتهت الأزمة إلى حين، وإلى حين تبقى القنبلة الليبية الموقوتة، تهدد ليس ليبيا وحدها، بل كل دول الجوار، إن لم أقل كل العالم، فقد صارت البلاد ملاذا آمنا لمهربي المخدرات والسلع المغشوشة وللجماعات الإرهابية التي وجدت في السلاح الليبي وغياب الدولة ضالتها، وهي الآن تحضر لتنشر خطرها على كل المعمورة.