اهتزت مشاعر الصحفيين العرب، إثر عملية الكومندوس التي قام بها جنود أمريكيون في ليبيا، اختطفوا خلالها الإرهابي أبو أنس من أمام بيته فجرا، ورأوا في ما قامت به أمريكا اعتداء على حرمة بلد واستباحة لسيادتها. لكن ماذا كانوا ينتظرون من أمريكا غير هذا؟ أنسوا الطريقة المهينة التي ألقت بها القوات الأمريكية القبض على صدام، وصوروه داخل حفرة، في صورة تتعارض مع ما ألفه المشاهد العربي عن الرجل من مظاهر كبرياء وتعنت؟! بل هل نسوا الغارة التي قامت بها فرنسا ضد قافلة القذافي ووابل الرصاص والنار الذي فجرها، قبل أن يقتاد إلى قناة صرف، ويصور داخلها، لتقترن صورته في ذهن المشاهد العربي، بصورة الجرذان التي كان يوصف بها الليبيون في بداية الأحداث! وهل نسوا الطريقة التي تم من خلالها تصفية بن لادن في ماي 2011 في باكستان (إذا كانت الرواية حقيقية طبعا)؟ ولنعد سنوات إلى الوراء، لنتذكر الطريقة التي ألقت بها أمريكا القبض على رئيس بنما في ديسمبر 1989، لا لشيء إلا لأنه أراد أن يبسط سيادة بلاده على القناة، الشيء الذي لا يخدم مصلحة أمريكا، فاتهمته بتجارة المخدرات، وجاء كومندوس مماثل واختطف نورييغا بثيابه الداخلية من داخل بيته، وهو رئيس جمهورية ذات سيادة، وليس إرهابيا مجرما فارا من العدالة مثل أبو أنس؟! وغير ذلك من الروايات التي يحكي تفاصيلها القاتل الاقتصادي الأمريكي السابق “جون بيركينز” في كتابه اعترافات “قاتل اقتصادي”، الكتاب الذي نشرته “الفجر” مؤخرا على حلقات. وما الذي كانت تهدف إليه أمريكا من وراء القضاء على القذافي، غير استباحة ليبيا، سكانها وثرواتها؟! لو كانت الديمقراطية هي حقا ما تريده أمريكا لليبيا ولغيرها من البلدان العربية، لما فتحت هي وحلفاؤها في الناتو كل خزائن السلاح أمام عناصر القاعدة، وغير القاعدة، لتصبح ليبيا بلدا متمردا على القانون، بلدا تشع فيه الفوضى، تحكمه ميليشيات لكل منها منطقة نفوذ وأتباع وجيش، تستولي على ما تشاء من ممتلكات، تجرد السكان بالقوة من أموالهم وبيوتهم تحت التهديد، ولكل ميليشيا سجونها ومساجين قلما يخرجون أحياء من هذه السجون دون محاكمات، أما التهم فهي جاهزة، تهمة العداء للثورة، أو الوفاء للقذافي ونظامه. هل كانت أمريكا ستستشير حكومة عاجزة عن فرض سيطرتها على مواطنيها وفرض احترام القانون من قبل الجميع؟ كيف لأمريكا أن تحترم حكومة عجزت عن حماية سفيرها الذي قتل في سبتمبر من السنة الماضية في بن غازي، وتعول على دولة ميليشيات لتساعدها على إلقاء القبض على إرهابي؟ أمريكا لم تستبح سيادة ليبيا، لأنه لا سيادة للحكومة الليبية على ليبيا، ويكفي متابعة الأخبار، وما تحمله يوميا من مآس وتفجيرات واغتيالات واختطافات، لتعرف أن الدولة غائبة تماما في ليبيا، والميليشيات بمختلف أسمائها، من أنصار الشريعة، إلى الدرع الليبي إلى جماعة حكيم بلحاج، هي الواقع المر الوحيد في ليبيا؟