تعاني فئات عمالية واسعة في قطاع الخدمات العمومية على الخصوص، من انعدام التكفل الطبي بها على الرغم من الأخطار الكبيرة التي تحيط بهم جراء المهام التي يقومون بها على غرار عمال النظافة، البناء والتعمير، وحتى الصحة. دفع عدد كبير من ناشطي القطاعين الخاص والعمومي في مجالات البيئة، البناء والصحة بعنابة، ثمن ممارسة أنشطتهم جراء الانعدام شبه التام لتكفل طبي يقيهم من الإصابة بأمراض، بعضها تحول لمزمن فيما كان البعض الآخر سببا في وفاة عدد من هؤلاء العمال، على غرار الإصابة بمرض الالتهاب الفيروسي للفئة الثالثة لممرضين يمارسون مهامهم بمستشفيات عمومية أثناء عمليات نقل الذم، ضمن ظروف غير صحية إلى جانب الغياب الفادح لجرعات التلقيح ضد هذا الوباء الخطير، هذا ناهيك عن أخطار أشعة المصورات الطبية وما تخلفه على المدى الطويل من أمراض تتعلق بالسرطان بمختلف أنواعه. ، والى جانب الممرضين الذين أكدوا أنهم يتعرضون بشكل يومي لأخطار الإصابة بمختلف الأمراض، ماكان سببا لاحتجاجاتهم المتكررة والطالبة بمنحة الخطر عن المهام التي يقومون بها، يبقى عمال النظافة مهمشين جذريا في ولاية عنابة، حيث لا يتم تزويدهم سوى بقفازين مرة في السنة، دون الكمامات وألبسة خاصة تقيهم الاتصال المباشر بالقاذورات، ما يفسر إصابة معظمهم بأمراض متعلقة بالقلب، الأذن، الأنف والحنجرة إلى جانب أمراض الجهاز العظمي. وفي هذا الصدد ناشد المعنيون التفاتة جادة من طرف الجهات الوصية من أجل إعادة النظر في التكفل الطبي بهم، وتوفير شروط ممارسة أنشطتهم والخاصة بالألبسة وما تعلق بها خصوصا وأن ولاية عنابة مصنفة وطنيا ضمن صدارة الولايات من حيث التلوث البيئي. وفي سياق التجاوزات الخطيرة التي يتعرض لها يوميا العمال، يبقى عمال قطاع البناء والتعمير الفئة الأكثر تضررا، بسبب الغياب الفادح للتأمين الناجم عن عدم التزام عديد المؤسسات بشروط التوظيف تفاديا لدفع الضرائب وتسديد مستحقات التامين، ما كان وراء تزايد عدد من العمال المصابين بمختلف الأمراض الجلدية وتلك التي تصيب العظام. وعلى الرغم من المتابعة الصارمة لمفتشية العمل ومصلحة طب العمل، وما تم تسطيره من برامج تعاون للحد من ظواهر انتشار مختلف الأمراض ضمن عمال القطاعات السالفة الذكر، يبقى أن تجاوزات أرباب العمل والمؤسسات العمومية هي السبب المباشر في هذه الظواهر التي تزداد اتساعا في عنابة، علما أن مصلحة طب العمل كانت قد صرحت أنها لا تقدم سوى 37 بالمائة من خدماتها لعمال القطاع المؤسساتي، مضيفة أن عدد الموئسات المتعاقدة معها والتي تحتاج لخدماتها يبلغ تعدادها 500 مؤسسة، فيما تعتمد سبع مؤسسات فقط على خدمتها الطبية الخاصة لعمالها. في هذا السياق، حذرت مديرية العمل القائمين على هذه المؤسسات من مغبة التجاوزات القانونية التي يمكن أن تقع فيها بخصوص تأمين العمال في قطاعاتها، إلى جانب التأكيد على ضمان حقوق هؤلاء العمال في الحصول على الرعاية الصحية بمجالات عملهم، من طرف القائمين على مؤسساتهم، تفاديا لانتهاك حقوقهم التي كانت وراء فقدان العديد من عمال القطاعات الصناعية لحياتهم دون تقاضي أية منحة مالية، نتيجة التهاون في إنهاء المراحل الإدارية الخاصة بالتأمين. وتجدر الإشارة إلى أن السنة الفارطة كانت موعدا لحملات تفتيشية باشرتها مفتشية العمل مدعومة بمديرية الصحة، عبر كامل المؤسسات المتواجدة بالولاية، للوقوف على ملفات توظيف العمال ومشاكل التأمين، إلى جانب التحقق من احترام أصحاب المؤسسات للإجراءات القانونية الخاصة بالتكفل بالعمال وضمان حقوقهم في التداوي، ومعاينة أطباء مصلحة طب العمل. كما أنه كان قد تم إرسال لجان للمصحات الخاصة للوقوف على كامل ظروف توظيف العمال والحماية الاجتماعية المكرسة لهم، وفي مقدمتها طب العمل، خاصة إذا علمنا أن العديد من التقنيين العاملين بمصلحة الأشعة معرضون لأمراض ناجمة عن الإشعاعات، تتطلب شروطا مادية لممارسة النشاط في هذه المصحات. من جانب آخر، وفي سياق وضع حد للتجاوزات القانونية لبعض المؤسسات، كانت مفتشية العمل قد تابعت أكثر من 200 مؤسسة قضائيا خلال السنة الفارطة اتهمت بارتكاب مخالفات تخص التكفل الطبي والتأميني للعمال الناشطين لديها.