يبدو أن مدارس تعليم فن الطبخ اصبحت تتكاثر كالفطريات خاصة خلال الفترة الاخيرة، وباتت فئات مختلطة تتوافد عليها بحثا عن آخر اللمسات للأكلات المتنوعة، خاصة أن المجتمع الجزائري اصبح يتفنن في التذوق والبحث عن ماهو ألذ و أطعم، وصارت مقصد الرجال والنساء من مختلف الفئات والأعمار. إنه الانقلاب السوسيولوجي للمجتمع الجزائري، حيث أصبح ”الطبخ” حرفة تتفنن في صناعتها جميع الأطراف.. تشهد مختلف مدارس لتعليم الطبخ إقبالا كبيرا وتهافتا واسعا للنساء والرجال لمعرفة الأصول الحقيقية والتقنيات الحديثة للمطبخ الجزائري والعالمي، على اختلاف النكهات التي تعتمدها هذه الاخيرة، وهذا ما أكده لنا كمال بن يونس، 28 سنة، إذ أن حبه للطبخ بدأ منذ الصغر، وبالضبط مع انتشار الفضائيات وكثرة الحصص الخاصة بالأكلات على اختلاف أنواعها..”كما جاء اهتمامي بتعلم الحلويات والفندقة بقصد العمل في هذا المجال لما يحتويه من ”ولع” وحب بالنسبة لاهتماماتي، وهذا ما جعلني أبحث عن المدارس الخاصة بتعليم الطبخ، وكانت مدرسة ”سيبل ايكول” بعين الله وجهتي الأولى، حيث وجدت فيها برنامجا خاصا لتعليم الطبخ وأسراره، واخترت فن تعليم كيفية صنع البيتزا والحلويات الغربية، منها حلوى ”الميل فاي” وكل أنواع الحلويات الشرقية والعاصمية، وهذا بغرض فتح محل لصنع الحلويات والبيتزا، لما يجلب هذا الأخير من مكسب مادي جد معتبر. ومن جهة أخرى لم تعد كتب الطبخ والحلويات، تستهوي الكثيرين مثلما كان معتمد عليه سابقا، لما فيها من كيفيات عامة ولا تحتوي أسرار نجاح الكيفية، خاصة للواتي ترغبن في تعلم هذا الفن على أصوله. ومن جهة أخرى فإن هذه المدارس تعتمد على تكوين تطبيقي ومباشر لكيفيات ناجحة مائة بالمائة، كما لا يقتصر الأمر فقط على الطبخ الجزائري، بل تعدّاه إلى الطبخ العالمي الذي أصبح يستهوي الكثيرات، يضيف محدثنا. فضائيات فتحت الشهية لتعلم الأصول الدقيقة للطبخ كما قابلنا سيدة في مقتبل العمر تبحث عن تخصص تعلم كيفية صنع عجائن صنع الخبز، حيث قالتل”الفجر” إن انتشار المدارس الخاصة بتعليم الطبخ وكذلك القنوات المختلفة التي انتشرت مؤخرا عبر الفضائيات، أغرت كثيرا من المشاهدين للبحث عن الطريقة الدقيقة لتعليم كيفية طبخ مختلف الأكلات، بالاضافة الى التفتح الكبيرالذي نشهده عبر الفضائيات، والذي جعل المرأة الجزائرية تبحث عن الأصول الحقيقية لكيفية إنجاح أي طبخة، خاصة أن الرجل الجزائري أصبح ”يأكل كثيرا” وغابت عنه صفة الرجل الذي يكتفي بالطبق التقليدي المقدم له. وعن أسعار الدروس، تقول نفس المتحدثة إنها تتراوح بين 2000 و8000 دج، كل حسب التخصص وحسب عدد الساعات المخصصة للدرس الواحد، وهو سعر معقول حسبها. أما ”غنية”، عاملة بإحدى الشركات العمومية، أكدت ان تعلم فنون الطبخ اصبح يستهويها بعد أن شاهدت تعلق زوجها بأكلات ”الفاست فود” وما تقدمه من أطباق جديدة و متنوعة تسيل اللعاب من ”شاورمة” و”إسكالوب” مشوي وكل الاكلات اللذيذة المقدمة في المطاعم، وجعلني أبحث عن الأحسن لتزيين مائدتي والتفنن في إعداد الأكلات، وهذا لن يتحقق إلا بالالتحاق بالمدارس الخاصة بذلك. طلبة وأساتذة يستهويهم ”المطبخ” الشيء الملفت للانتباه بمدارس الطبخ والحلويات، أنها لم تبق مقتصرة على بعض الفتيات الماكثات في البيت، اللواتي لم تسمح لهن الظروف لمواصلة تعليمهن بل تعدت إلى الموظفات والطالبات والإطارات الذين لم يتمكنوا من الدخول إلى المطبخ بسبب انشغالاتهم الدراسية. أما بعض الفتيات اللواتي فكانت غايتهن بعيدة عن كل هدف تجاري، بل كانت بدافع حب الهواية لما وجدن من متعة وإبداع تضفي السعادة عليهن وتنمي من فضولهن في اكتشاف عالم كله سحر وجمال، بل وتحفزهن أكثر على الإبداع فيه، بدليل أن هناك سيدات تجاوزن سن الخمسين أوالستين من أعمارهن وقادهن حب هذا الفن لتعلم خباياه والمزيد من اسراره. تقول السيدة خديجة، 56سنة، أم لأربعة أولاد كلهم متزوجون، أنها كانت تعيش فراغا رهيبا وروتينا مملا إلى أن قادها القدر لتعلم الحلويات فأصبحت أكثر رزانة واستقرارا نفسيا، وتمكنت من تخطي فترة عصيبة من حياتها، حيث تشغل أوقاتها وتنسيها مشاكلها ومعاناتها. إقبالها على الزواج أرغمها على تعلم الطبخ.. نوال، شابة في ال26 من العمر، تتأهب لدخول القفص الذهبي، لأن انشغالاتها اليومية بدراستها جعلها لا تتقن الأساليب الخاصة بالطبخ، ما جعلها تعلن طلاقها لطيش الشباب والدخول في عالم الجد، وهو تعلم أصول الاقتصاد المنزلي، وبالتالي الالتحاق بأقرب مدرسة لتعليم فنون الطهي والكائنة بالعاصمة، حيث استطاعت أن تأخذ منها التقنيات الحديثة لإنجاح أكلة يرضى بها الزوج. ورغم التطور الذي يحققه فن الطبخ إلا أن الابتكار الذي يحدثه الطبخ يجعل منه مجالا إبداعيا فريدا من نوعه يتطلع إليه المرأة و الرجل على حد سواء، ولكن بالاستعانة بوصفات الجدات التي مهما مر عليها الزمان فلن تسقط..