تشهد مراكز التكوين بشتى أنواعها إقبالا كبيرا للمواطنين بمختلف الفئات والأعمار خاصة منهم هؤلاء الذين لم تسمح لهم الظروف ولم تتح لهم الفرصة للتحصل على شهادات جامعية لتكون مراكز التكوين بمختلف تخصصاتها المهرب الوحيد والمنقذ في الكثير من الأحيان لقتل الفراغ من جهة ولاكتساب مهارات وشهادات من جهة أخرى تمكنهم من السير قدما نحو الأمام. ونظرا لتعدد التخصصات وكثرتها فقد ركزنا على جانب مهم أصبح يجلب إليه كل من الرجل والمرأة بعدما كان في القديم يقتصر على الجنس اللطيف إلا أنه تعدى هذا المفهوم في الوقت الحالي، ومن خلال زيارتنا لبعض مراكز التكوين في الجزائر لاحظنا إقبال النساء على هذا التخصص رغبة منهن في تعلم فنون الطبخ التي أصبحت في الوقت الحالي بمثابة باب رزق بالنسبة لربات البيوت أو المطلقات اللواتي لم يجدن من يساعدهن على تربية أطفالهن، وكذا توفير احتياجاتهن سوى التفنن في صناعة المخبوزات أو الحلويات، في المقابل وجد الشباب البطال في هذا المجال وسيلة للتخلص من بطالتهم في ظل النجاح الكبير الذي حققته محلات بيع الحلويات أوالأطباق على حد سواء. حيث أضحى هذا الفن يمثل تجارة مربحة يجني من وراءها أصحاب المطاعم أو محلات الأكل السريع أموالا كبيرة، وهو ما دفع بمحدودي الدخل من ربات البيوت أو المطلقات وحتى الجنس الخشن لخوض تلك التجربة من خلال التكوين بالمراكز الخاصة بتعليم فنون الطبخ كوسيلة تمكنهم من اكتساب خبرة واسعة من المعلمين البارعين الموجودين بهذا المكان، يوفرن بها لقمة العيش لإعالة وتربية أطفالهن، في المقابل تتطلب الحياة الزوجية من الفتاة أن تكون لها خبرة واسعة في مجال الطبخ لتكون مؤهلة لتحمل مسؤولية زوجها، كما يجد الشباب البطال من التكوين في هذا المجال باب رزق يمكنهم من العمل في الأعراس أو المطاعم، في ظل زيادة الطلب على الطباخين في الفترة الأخيرة إضافة إلى بحث العاملين أو المتمدرسين على ما يسد جوعهم باقتراب مواعيد الأكل، وكما نعلم أن المواطن الجزائري ليست له أوقات معينة فهو يأكل في جميع الأوقات نظرا لظروف قد تحول دون تحقيق التوازن في فترات الأكل. وفي هذا الشأن قمنا بزيارة ميدانية إلى بعض هذه المراكز التي تفنن أصحابها في تعليم المتدربين أسمى مهارات الطبخ وصناعة الحلويات، ومنها نجد بحسيبة بن بوعلي أو مركز التكوين بدرارية ..الخ، اغتنمنا فرصة تواجدنا بالمكان للتكلم مع المتربصين الذين كانوا متواجدين هناك فكان لنا ذلك مع (نجية) التي أقرت لنا أنها على أبواب الزواج ولم يتبق لها سوى شهورا معدودة اغتنمت الفرصة لتعلم تقنيات صناعة أنواع الحلويات التقليدية، ولعل الشيء الجميل الذي زاد من هذه المراكز جمالا هو تواجد الجنس الخشن إلى جانب المرأة لمنافستها في مهنة يدها من خلال حبهم الكبير للاطلاع على أبسط تقنيات الطبخ وكذا الحلويات حسب ما أفادنا به (رياض) الذي يدرس بكل جد ليتحصل على شهادة خبرة في مجال صناعة الحلويات التقليدية والعصرية معا ليتمكن من العمل بمحلات بيع الحلويات، كما أضاف أن تلك المهنة يزيد الطلب عليها من قبل محلات خاصة في مواسم الأفراح. وقد دفعت الظروف الاجتماعية الصعبة المطلقات والأرامل إلى صناعة الخبز التقليدي والفطير، إضافة إلى الأطباق التقليدية التي يعتبرونها مصدر رزق لهن وتجارة مربحة أمام زيادة الطلب عليها من قبل العاملات اللواتي لا يجدن وقتا كافيا لتحضيرها، حيث دفعت الظروف الاجتماعية الصعبة التي تمر بها المطلقات أو الأرامل إلى استخدامهن لما يمتلكنه من خبرات في مجال الطبخ لتسويق منتجاتهن، مستغلين حاجة العاملات أو الميسورات لتلك الأطباق التقليدية كوسيلة وحيدة يواجهن بها وضعيتهن الصعبة وكذا توفير لقمة العيش لهن بشكل يومي حسب ما أفادتنا به (فاطمة) أرملة وأم لثلاثة أطفال من خلال قولها: (لقد اعتمدت على حالي بعد وفاة زوجي وفتحت باب منزلي لإخراج ما أقوم بصنعه من معجنات تقليدية أقوم ببيعها لأصحاب المحلات، إلى جانب تعاملي مع عدد من العائلات العاملة التي وضعت ثقتها في طريقة إعدادي للخبز والحلويات). (نوال) إحدى الشابات التي لم يحالفها الحظ في النجاح بمشوارها الدراسي جعلت هي الأخرى من هذه المراكز مصدرا هاما لها لإظهار قدراتها الكامنة في هذا التخصص من خلال حرصها على إتمام التربص ونيل الشهادة التي ترى فيها ضمانا لمستقبلها، كما تقول إن حلوياتها التي تقوم بصنعها للجيران والأشخاص المحيطين بها جعلتها تلقى الإعجاب والإقبال من قبلهم. (مراد) شاب يبلغ من العمر 31 سنة يقول: (خبرتي الواسعة في صناعة البيتزا مكنتني من القيام بمشروع صغير بعد تعلمي للمهارات الرئيسية بأحد المراكز فقمت بشراء ما يلزم من مستلزمات وكراء محل صغير حتى تتسنى لي الفرصة لإظهار براعتي في تحضير الأكلات السريعة داخل محلي البسيط الذي يلقى إقبال وإعجاب الزوار خاصة شرائح البيتزا التي أعدها، حيث أصبح لدي الكثير من الزبائن الذين أتعامل معهم بشكل يومي وأغلبهم من تلاميذ المدارس والعاملين بالشركة القريبة من محلي الذين يتناولون وجبة إفطارهم من هذا المحل الصغير بشكل يومي)، كما يقول إنه فضل الاستعانة بخبرته في الطبخ بعد تخليه عن الدراسة ليسترزق من خلال تحضير الأكلات السريعة. في حين استفاد آخرون من الشهادات التي حصلوا عليها بمراكز تعليم الطبخ خاصة أنها مكنتهم من الظفر بمناصب عمل في ظل زيادة الطلب على طباخين يمتلكون خبرة واسعة بهذا المجال، حيث أكد لنا جل من تحدثنا إليهم من الشباب أن تلك المهنة باتت مطلوبة بشكل كبير سواء بالأعراس أو من قبل المخابز، حيث كشف لنا أحد من تحدثنا إليهم أن تكوينه في مجال الطبخ سمح له بالتخلص من البطالة. لتبقى مراكز التكوين بجميع تخصصاتها الأمل الأخير لمن لم تسعفهم الحياة الاجتماعية لمواصلة دراستهم وتحصلهم على شهادات جامعية، كما يجدر بنا الإشارة إلى أن هذه المراكز أصبحت في الآونة الأخيرة أيضا تضم عددا من المتعلمين الحاصلين على شهادات دراسية الذين خصصوا هم الآخرون أوقات فراغهم لمن يمتلك الوقت لذلك لتحسين قدراتهم في مجال الطبخ وصناعة الحلويات التي يعتبر تعلمها ضرورة في حياة أي امرأة بصفة خاصة.