سيفرض الاتفاق المبرم بين الدول الخمس وإيران واقعا سياسيا جديدا، لأنه سيقود إلى حل إحدى أكبر الأزمات السياسية التي عرفتها العلاقات الدولية منذ أزيد من ثلاثين سنة. الاتفاق الذي يعد الخطوة الأولى لتطبيع الغرب لعلاقته مع إيران، هو إقرار بحقوق إيران النووية، التي افتكها روحاني من خلال تبنيه استراتيجية سياسية جديدة طويلة الأمد تتميز بالواقعية، وبعيدا عن الشطحات التخريفية للرئيس السابق نجاد الذي كان يتبع سياسة هجومية كلفت إيران الكثير. إيران تخرج اليوم منتصرة ليس على الغرب الذي فرضت عليه منطقها ومشروعها النووي، بل أيضا منتصرة من ورائهم على العرب، وعلى السعودية تحديدا، التي سقطت في البروباغاندا الأمريكية التي صورت لها إيران الشيعية كغول يريد ابتلاع العرب السنة، وأنها العدو اللدود الذي على السعودية ودول الخليج الأخرى أن تحتاط منه، وتعد له العدة لحرب آتية لا محالة، وأجبرتها على إنفاق ملايير الدولارات في اقتناء أسلحة لهذه المواجهة. بل حدثت فعلا المواجهة منذ أزيد من ثلاثين سنة عندما دفعت بلدان الخليج وأمريكا بالمتهور صدام إلى خوض حرب بالنيابة ضد إيران، حرب انتهت بالتخلي عن صدام ورفضها دفع فاتورة حرب الثماني سنوات التي خاضها ضد نظام الملالي، في الوقت الذي كانت أمريكا تصدر أسلحة أخرى إلى إيران عن طريق إسرائيل. وليس هذا فحسب، بل دفعت بصدام إلى مغامرة غير محسوبة، باحتلاله الكويت لتعويض خسائره في حربه ضد إيران. فقاد جنون صدام العراق إلى الدمار، وخلفه على رأس الحكم نظام موال لإيران، بينما إيران تستمر في منطقها وفي بناء اقتصادها وسلاحها لتصبح اليوم قوة إقليمية. ووقع الغرب أمس بهذا الاتفاق صك الاعتراف بها، هذا الاتفاق الذي أنهى أزيد من ثلاثين سنة من العداء الإيراني - الغربي، وفتح أمام إيران طريقا جديدا، لا لأن تدخل نادي الكبار فحسب. اتفاق سيؤدي إلى رفع العقوبات عن إيران، وسيمنح لها امتيازات اقتصادية ستمكنها من التغلب على العقبات التي تواجهها، في الجوانب الاجتماعية كالتغلب على البطالة التي تفوق نسبتها الآن 50 بالمائة. وداخليا سيكسر الاتفاق شوكة المعارضة لنظام الملالي. ومن وراء إيران سيكسب حزب الله أيضا انتصارات سياسية وقد يسقط الغرب متابعاته لهذا التنظيم الذي أدرجته أمريكا في قائمة الإرهاب الدولي، كما ستربح سوريا هي الأخرى التي دارت حرب السنوات الأخيرة على ترابها بالنيابة عن إيران التي كانت مستهدفة من قبل إسرائيل مثلما كانت مستهدفة من قبل السعودية وقطر وتركيا وكل اللاعبين في الأزمة السورية. الخاسر الأكبر من وراء هذا الاتفاق هو دول الخليج عموما والسعودية خصوصا، فالاتفاق بعبارة أخرى هو تخلي أمريكا عنها بعد أن جنّدتها طوال عقود في حربها لإضعاف إيران. فقادت المنطقة كلها في صراع طائفي كلفها الكثير. أما إسرائيل فستنال حتما نصيبها من هذ الاتفاق، ولن تتخلى أمريكا عنها، وعن دورها في التشويش على العرب، وسينتهي الأمر بها إلى قبول التقارب الإيراني - الغربي. ويبقى الخاسر الأكبر هم العرب وحدهم، وعليهم من الآن البحث لهم عن مكان وسط هذا التقارب الذي فرضته قوة إيران وحضارتها الفارسية على الغرب، وتمسكها بحقوقها النووية كاملة، وحسن إدارتها للتفاوض، بينما انشغلت السعودية وقطر بالتآمر على بلدان عربية أخرى وتدميرها، تقربا من أمريكا، لكن أمريكا اليوم فضلت التعامل مع قوة إقليمية فرضت نفسها ومنطقها هي إيران.