كان كتاب قاسم أمين ”1863- 1908م” ”تحرير المرأة - 1899” أول كتاب أثار زوبعة، أومعركة فكرية واجتماعية في الثقافة والمجتمع العربيين الحديثين، مما دفع مجموعة من الكتّاب إلى الردّ عليه أهمهم: لعلك تقول إن المرأة ترى خطيبها من الشباك مرارًا، وإن الرجل يعرف بواسطة أمه أو أخته أوصاف خطيبته مثل سواد شعرها، وبياض خدودها، وضيق فمها، واعتدال قوامها، ورزانة عقلها وما أشبه ذلك، فيكون عنده علم بما هي عليه من جمال وشمائل. نقول هذا قد يكون، ولكن كل هذه الصفات متفرقة ولا تفيد صورة ما، ولا يمكن أن ينبعث عنها ميل إلى طلبها لتكون عشيرة تطمئن لصحبتها النفوس، وتتعلق بها وبنسلها الآمال،وإنما الذي يهم الإنسان البصير هو أن يرى بنفسه خلقا حيا يفتكر ويتكلم ويفعل، خلقا يجمع من الشمائل والصفات ما يلائم ذوقه، ويتفق مع رغباته وعواطفه. كثيرا مايرى الواحد شخصا لم يكن رآه قبل ذلك، وبمجرد ما يقع عليه نظره، تنفر منه نفسه في الحال نفورا تاما و لا يعلم لذلك سببا، وربما يستقبح شخصا.على بعد ولكنه متى دنا منه وفاض الحديث بينهما تبدل عنده ما وجد منه أولا بضده، وربما زين لأول نظرة منك صورة يظهر عليها بهاء الجمال حتى إذا دنوت منها تبدل ذلك الإحساس بضده لأول كلمة تصدر منها ، وخصوصا أن هذا الإحساس المادي سواءا كان ميلا أو نفورا لا يتعلق بجمال وقبح المنظر، ولا يحس به جميع الناس على طريقة واحدة ، فإن الإنسان الواحد يكون منظره سببا للنفور عند شخص، وللميل عند شخص آخر. فهذه الجاذبة الحسية لابد منها عند الزوجين، وهي إن لم تكن ضرورية بين رجل وامرأة يطلبان الزواج مع بعضهما فلا أرى في أي شيء آحر تكون لازمة. على أن الانجذاب المادي ليس كافيا في الزواج بل يلزم أن يوجد أيضا توافق بين نفوس الزوجين . أي إنه يوجد * لا أقول إتحادا لأنه مستحيل* ائتلاف بين ملكاتهمما وأخلاقهما وعقولهما: ولا تتأتى معرفة وجود هذا التوافق وعدم وجوده إلا إذا خالط كل منهما صاحبه ولو قليلا. ولا يختلف اثنان في أن الزواج الذي يبنى على هذا التوافق يكون أمرا محترما في نفوس الزوجين، وتكون عقدته من المتانة بحيث لا يسهل انحلالها ويكون أيضا موجبا للعفة والتصون، وعندي أن كل زواج لا يؤسس على هذا الإئتلاف فهو صفقة خاسرة لا خير فيها لأحد من الزوجين مهما طال أجل الزواج، ومهما كانت صفات الرجل والمرأة، ولهذا قال الأعمش ”كل تزويج يقع على غير نظر فأمره هم وغم”.