التعريف بالكتاب: كان كتاب قاسم أمين ”1863- 1908م” ”تحرير المرأة - 1899” أول كتاب أثار زوبعة، أومعركة فكرية واجتماعية في الثقافة والمجتمع العربيين الحديثين، مما دفع مجموعة من الكتّاب إلى الردّ عليه أهمهم: تضمحل تلك الآمال وتتساقط تلك الأماني، ويكاد التقاطع يحِّل محل التواصل لولا ما اختص الله به الإنسان من القدرة على استقامة تلك العاطفة، والاستزادة من لذة الوصال بما يستجلي من بهاء الأرواح وسناء العقول، وكثيرا ما يستبدل لذة الحس التي لا بقاء لها بلَّذة العقل والوجدان التي لا تنتهي أطوارها، ولا تفنى مظاهرها. يستهويه الحب لمشهد الوجه الجميل وسواد العيون ورشاقة القد وطول الشعر، ولكن يمتزج العشق بروحه حتى يكون كأنه طبع لها إذا وجد بجانب تلك الجمال لطف الشمائل، ورقة الذوق، وبهاء الفطنة، ونفاذ العقل وسعة العرفان، وحسن التدبير، والحذق في العمل،مع المحافظة على النظام فيه، ونظافة الباطن والظاهر، وحنو القلب، وصدق اللسان، وطهارة الذِّمة، وعظم الأمانة، والإخلاص في الولاء، ونحو ذلك من الفضائل المعنوية،التي ترجح عند العقلاء على جميع المحاسن الجسمانية،ووجدان الذة بهذه المعاني عنصر آخر يدخل في تركيب الحب أيضا؛ ومن هذين العنصرين يتركب الحب التام. وأما ما يروى أن رجلا عشق امرأة عشقا روحانيا محضا أو أن آخر عشق للَّذة المادية ليس إلا بدون اعتبار تلك الصفات الأدبية؛ فقد يكون لأن الأول رجل خيالي، والثاني رجل جاهل شهوي، على أن التجارب دلت على أن هذه الشهوات البتراء ليس لها حظ من البقاء؛ فهي كالنار ذات اللهب تهب وتنطفئ بسرعة. وإليك بيانا يزيد وضوحا في فهم ماتقدم: اللذة الجسمانية المتَّحدة في النوع مهما تخالفت في الأفراد فهي دائما واحدة، فإن أفرد الذة المتحدة في النوع تتشابه إلى حد لاتكاد تتميز إلا باختلاف الزمان أو المكان مثلا، فما يحصل منها أولا هو ما يحصل ثانيا وثالثا ورابعا وهكذا. ومن البديهي أن تكرار اللذة بعينها مهما كانت سواء لذة نظر أو لذة سمع، أو لذة ذوق،أو لذة لمس يفضي في الغالب إلى فقد الرغبة فيها فيأتي زمن لاتنتبه الأعصاب لها لكثرة تعودها عليها. والأمر بخلاف ذلك بالنسبة للَّذة المعنوية،هذه اللذة في طبيعتها يمكن أن تجدها في كل آن تأمل في مسامرة صديقين تجد أنها كنز سرور لا يفنى. متى تلاقيا يُفرغ كلٌ منهما روحه للآخر، فيسري عقلاهما من موضوع لموضوع، وينتقلان من الجزئيات إلى الكليات، ويمران على الآلام والآمال والقبيح والحسن والناقص والكامل، كل عمل أو فكر أو حادث أواختراع يكسب عقليهما غذاءً جديدا ويفيد نفسيهما لذة جديدة. كل مظهر من مظاهر حياة أحدهما العقلية والوجدانية، وكل ما تحلت به نفسه من علم وأدب وذوق وعاطفة تنعكس منه على نفس الآخر لذَّة جديدة، ويزيد في رابطة الألفة بينهما عقدة جديدة. من هنا يُعلم مقدار سلطان الحب الحقيقي على الإنسان، وكيف أن العارف يعتبر الحصول على ذلك الحب الشريف من أكبر السعادات في هذه الدنيا. فإن كان المال زينة الحياة؛فالحب هو الحياة بعينها. فهذا الحب لا يمكن أن يوجد بين رجل وامرأة إذا لم يوجد بينهما تناسب في التربية والتعليم، ولا يجب أن يُفهم أن الرجل المتعلم إذا لم يحب زوجته فهي يمكنها أن تحبه. فإن توَّهم ذلك يعد من الخطأ الجسيم؛ لأن الحب الحقيقي الذي عرفت عنصريه المادي والمعنوي لا يبقى إلا بالاحترام، والاحترام يتوقف على المعرفة بمقدار من تحترمه، والمرأة الجاهلة لا تعرف مقدار زوجها. ...(يتبع)