كان عبد الرحمان ڤراص من خيرة شباب حزب الشعب الجزائريبقسنطينة، حيث نشط إلى جانب مناضلين كبار أمثال عبد الله فيلالي ومحمد بلوزداد، واحتك بقيادة “المنظمة الخاصة” في شرق البلاد أمثال بوضياف وبن مهيدي وديدوش.. وكان ضمن هذا التنظيم الطلائعي من أوائل قادة الأفواج، وكان فوجه يضم عناصر تألقت لاحقا في سماء ثورة التحرير، على غرار الشهيدين بن عبد المالك والسعيد بوعلي وحباشي وبيطاط.. وأصبح في عهد قيادة بن مهيدي للمنظمة في شرق البلاد مسؤول منطقة قسنطينة.. وغداة الإعلان عن اكتشاف المنظمة في 18 مارس 1950، تمكن من النجاة والإلتحاق بالعاصمة.. وفي خريف 1952 تم تهريبه إلى فرنسا، حيث أصبح تحت قيادة بوضياف مسؤول منطقة “ليون” التي كانت تغطي جنوب غرب فرنسا كذلك.. واشتهر ڤراص بصفة خاصة، بأنه “العضو ال23” في اجتماع المدينة (الجزائر) الشهير الذي قرر إعلان الثورة خلال أشهر معدودة، فقد انسحبت “جماعة قسنطينة” بسببه بعد الإجتماع، لأنها كانت ترغب أولا في حضور “مسؤولها السابق”، وتعينه في أمانة جبهة التحرير الوطني الأولى (لجنة الخمسة)، بدل رابح بيطاط الذي عين فيها بتزكية من بوضياف وبن مهيدي خاصة.. قائد منطقة.. في عهد بن مهيدي ولد عبد الرحمان ڤراص بقسنطينة في 24 يناير 1921، ونشأ بحي سيدي آمزار، حيث التحق بالمدرسة الأهلية الفرنسية حتى الشهادة الإبتدائية. وبعد أن ترك مقاعد الدراسة امتهن حرفة العائلة: حرفة الحلويات التقليدية التي تشتهر بها المدينة. ومالبث أن فرض نفسه وسط فتيان حي سيدي آمزار الذين تألق العديد منهم في سماء الحركة الوطنية الثورية لاحقا، على غرار الشهيد رمضان بن عبد المالك، وعبد السلام حباشي وقريبه يوسف حداد. وغداة إجراءات العفو العام في مارس 1943 خلال الحرب العالمية الثانية، أفرج عن المناضل الكبير مبارك فيلالي (المدعو الخفيف)، فاستأنف نشاطه بعاصمة الشرق الجزائري، مستقطبا عددا من خيرة شباب المدينة، كان عبد الرحمان من بينهم. وبعد فترة التربص النضالي الضرورية في صفوف حزب الشعب الجزائري المحضور منذ بداية الحرب سار الشاب عبد الرحمان في مسيرة 8 مايو 1945 عبر شوارع وسط المدينة، ضمن كوكبة من أقرانه، نذكر منهم عبد السلام حباشي والزبير دقسي وعبد السلام بخوش.. وفي صائفة نفس السنة، حل بقسنطينة المناضل الكبير محمد بلوزداد، مكلفا ببعث الحركة الوطنية الثورية من تحت أنقاض 8 مايو ومخلفاته الرهيبة، لاسيما في مناطق سطيف وخراطة وقالمة.. فكان عبد الرحمان من المناضلين الشبان الذين التفوا حوله، ووضعوا أنفسهم في خدمته، لإنجاز مهمته الخطيرة على أكمل وجه.. وغداة تأسيس “المنظمة الخاصة” (الجناح شبه العسكري لحزب الشعب)، في غضون 1947، كان عبد الرحمان من المناضلين الذين وقع عليهم اختيار مسؤولي ناحية قسنطينة لتأسيس هذا الجناح الطلائعي الذي أنيطت به مهمة إشعال فتيل الثورة في الوقت المناسب. تم اختياره لأهليته النضالية قبل كل شيء، لأنه لم تكن له سوابق عسكرية، بحكم أنه لم يستدعى لأداء الخدمة الإجبارية.. ذلك أن الجيش الفرنسي المهزوم سنة 1940، أوقف عملية التجنيد مؤقتا.. وقبل الإلتحاق بالمنظمة الخاصة خضع لإختبار صارم، كان عبارة عن نوع من الترويض على الإنضباط الصبر وتحمل المكاره. ويخبرنا المناضل عبد الرحمان، أن خلايا هذا التنظيم الطلائعي لم تكن متواجدة في جميع النواحي تماشيا مع الهيكلة النظامية للحزب بل كانت تؤسس حيث توجد العناصر المناسبة فقط. ونظرا لإستعداده النضالي ومؤهلاته القيادية، مالبث أن أصبح مسؤول فوج في هذا التنظيم السري جدا من أعضائه عناصر لعبت أدوارا هامة، سواء في المنظمة الخاصة أو في جبهة التحرير الوطني غداة إعلان ثورة فاتح نوفمبر 1954. نذكر منها على سبيل المثال: محمد مشاطي، رابح بيطاط، بن عبد المالك أول شهيد من مجموعة ال22، السعيد بوعلي، صالح بوشمال، عبد السلام حباشي.. ومالبث بعض هؤلاء أن أصبحوا مسؤولي أفواج (1) بدورهم.. ويذكر الشاهد أن المسؤول بالمنظمة الخاصة في أي مستوى كان يواجه مساعديه بدون قناع، لكنه يستعمل وجوبا القناع مع المرؤوسين غير المباشرين ويستعمل المسؤول في تدريب عناصر المنظمة كتيبا، يتضمن مبادئ أولية في فن الحرب عامة، مع إضافات تتعلق بالحرب الثورية.. وفي خريف 1949 طرأت تغييرات في أركان المنظمة الخاصة، انتقل بموجبها محمد بوضياف قائد المنظمة على مستوى شرق البلاد إلى العاصمة، فخلفه نائبه الأول محمد العربي بن مهيدي، وفي هذه الحركة عين ڤراص على رأس منطقة قسنطينة التي كانت تمتد شرقا إلى غاية ناحية تبسة.. وكانت عناصر المنظمة الخاصة عموما تخضع إلى نظام داخلي عسكري بأتم معنى الكلمة، يتعرض الذين لا يحترمونه إلى أقصى العقوبات.. وحسب ڤراص أن قيادة المنظمة في شرق البلاد اتخذت في عهد بن مهيدي قرارات، بتأديب عدد من المتهاونين بكل من قسنطينةوبسكرةوتبسة.. وأنه شخصيا قاد عملية تأديب مناضل في بسكرة التابعة نظاميا لعبد القادر العمودي، وكان مرفوقا بكل من حباشي ومشاطي وموسى بوكرمة صاحب السيارة المستعملة في العملية.. لكن المناضل المستهدف تمكن من الإفلات، مستغلا كثرة الإزدحام في يوم السوق، غير أنه لم يقم بتبليغ الشرطة الإستعمارية.. كما حدث لاحقا في عملية مماثلة بتبسة.. اجتماع ال22: انسحاب “جماعة قسنطينة”.. لماذا؟ كانت ناحية تبسة تابعة لمنطقة قسنطينة، في نظام المنظمة الخاصة ابتداء من خريف 1949 كما سبقت الإشارة، أي أنها كانت تحت إشراف عبد الرحمان ڤراص مسؤول المنطقة، وعندما قررت قيادة المنظمة في الشرق الجزائري تأديب المناضل عبد القادر خياري (المدعو رحيم)، أسندت هذه المهمة إلى قيادة منطقة سكيكدة التي كان يرأسها مراد ديدوش فقاد شخصيا عملية التأديب رفقة أربعة مساعدين، وتم اختيار ديدوش لأنه لم يكن معروفا ناحية تبسة عكس ڤراص.. ويؤكد هذا الأخير أن رحيم كان فعلا عضوا في المنظمة الخاصة، التي لم يكن مسموحا لها بمعاقبة مناضلي حركة الإنتصار المنتمين إلى تنظيم آخر، يمثل الواجهة الشرعية لحزب الشعب الجزائري. وتمت محاولة تأديب رحيم على الأرجح يوم السبت 18 مارس 1950، وانتهت باعتقال إثنين من المشاركين (2) فيها هما حسين بن زعيم مسؤول ناحية عنابة في المنظمة الخاصة، وابراهيم عجامي أحد مساعديه. وتلا ذلك اعتقال عدد من مناضلي المنظمة الخاصة بتبسة، بدءا بمسؤول الناحية يحي (الهادي؟) فارس.. كان هذا الأخير يعرف منزل ڤراص بقسنطينة، لأن مسؤول المنطقة كان يجتمع أحيانا بمسؤولي النواحي في بيته.. وقد أجبرته مصالح الأمن على أن يقودها إلى منزل مسؤول المنطقة الذي كان يومئذ في جولة تفقدية بالنواحي الغربية.. فنجا من الإعتقال.. وخلال حملة الإعتقالات، التي شملت عددا من عناصر المنظمة الخاصة بقسنطينة وضواحيها، اختفى ڤراص بعض الوقت في مساكن بعض المناضلين أمثال بوجمعة مانع ورابح بيطاط.. وعقب ذلك مر ديدوش بقسنطينة فاصطحبه إلى الجزائر، حيث وجد بمنزل هذا الأخير كلا من بوضياف وبن مهيدي.. قضى ڤراص متسترا بالعاصمة وضواحيها أكثر من سنة، ونظرا للظروف السرية الصعبة أصيب بمرض صدري، اضطره إلى العلاج بمستشفى مصطفى باشا ثم ابن مسوس، وأخيرا بعيادة خاصة في مفتاح.. وبعد أن استعاد عافيته تم إدماجه باسم مستعار في نظام حركة الإنتصار العلني، وعين على رأس دائرة مستغانم التابع لولاية وهران. مكث على رأس الدائرة نحو 6 أشهر، وذات يوم بينما كان في القطار متواجها إلى وهران اشتبه في أمره شرطي من الإستعلامات العامة فأوقفه بمحطة المحمدية.. لكنه غافل حارسه بمقر الشرطة، وتمكن من الفرار والإلتحاق بوهران. بعد هذا الحادث تقرر نقله إلى دائرة الشلف التي بقي على رأسها إلى غاية أولت 1952.. وبهذه الدائرة أشرف على زيارة زعيم الحزب الحاج مصالي إلى الناحية في أواخر الأسبوع الثاني من مايو، تلك الزيارة التي تخللتها صدامات دامية، انتهت باعتقال مصالي ونفيه إلى “نيور” (وسط غرب فرنسا) في 14 من نفس الشهر.. وفي خريف نفس السنة تم تهربه إلى فرنسا التي كان سبقه إليها كل من بوضياف وديدوش.. وما لبث أن عين هناك على رأس منطقة “ليون”، في نظام اتحادية حركة الإنتصار.. عاش مسؤول منطقة “ليون” من موقعه هذا أزمة حركة الإنتصار التي بدأت من اتحادية فرنسا.. ويفهم من شهادة رفيقه عبد السلام حباشي أن الأزمة صدمته إلى حد ما، فانعكس ذلك في قرار زواجه بحثا عن شيء من الإستقرار، وتلا ذلك قرار ترك “ليون” والرحيل بأسرته إلى ناحية باريس.. وقبل ذلك كان قد أقحم في اجتماع ال22 الشهير أواخر يونيو 1954 رغم أنفه.. فقد خرجت “جماعة قسنطينة” (3) غاضبة من الإجتماع لسببين على الأقل: عدم دعوة مسؤولهم السابق ڤراص، وتعيين بيطاط في لجنة الخمسة، المنبثقة عن الإجتماع نيابة عنهم، وقد رأى محمد مشاطي أن يواجه هذا الموقف، بدعوة ڤراص إلى المجيء لإستشارته.. وتمت دعوته فعلا بواسطة رسالة من عبد السلام حباشي.. وعندما حل ڤراص بالجزائر قابل بوضياف، فلامه أولا للمغامرة بالمجيء وما قد ينجر عنه، علما أنه مطارد من مصالح الأمن، ثم نصحه ثانيا بعدم الذهاب إلى قسنطينة، لتشجيع مسعى مشاطي ورفاقه. لم يعمل ڤراص بنصيحة بوضياف وذهب إلى قسنطينة، حيث حضر اجتماع “مواجهة أخيرة” بمنزل يوسف حداد ذات ليلة من الثامنة مساء إلى الثانية فجرا من اليوم الموالي.. كان ڤراص في هذا الإجتماع مدعوا من مساعديه السابقين: مشاطي، حباشي، سليمان ملاح، السعيد بوعلي، يوسف حداد.. وكانت المواجهة أساسا مع ديدوش، المدعوم من مختار الباجي وبن طوبال والساسي بن حملة.. كانت جماعة قسنطينة تطرح مشكلة الأسلحة، والتحضير الجيد لإعلان الثورة، وتطعن بطريقة ملتوية في تسيير الإجتماع الذي ترأسه بن بولعيد وأسلوب انتخاب “لجنة الخمسة” وبصفة خاصة انتخاب بيطاط عضوا فيها ممثلا عن قسنطينة غداة الإجتماع عاد ڤراص إلى الجزائر رفقة حباشي، وكان رأيه في القطار: أن الثورة تبدو لا مفر منها، لكن لجنة الخمسة لا تريد إعلانها في أحسن الظروف”! وحسب حباشي أنه خالفه رأيه حينئذ مؤكدا أن الثورة قادمة وأنه يعتزم المشاركة فيها”. وقبل عودة ڤراص إلى فرنسا غاضبا قابل مرة أخرى بوضياف في العاصمة ويقول في هذا الصدد، أنه أبلغه بمأخذ جماعة قسنطينة على اجتماع ال22، لاسيما عدم تمثيل قسنطنية في لجنة الخمسة.. فكان رد بوضياف: أن بيطاط عضو في لجنة الخمسة وهو من قسنطينة.. هذا الجواب لم يقنع ڤراص الذي أكد بالمناسبة، أن جماعة قسنطينة أولى باختيار من يمثلهم في لجنة الخمسة.. وكانت الجماعة طبعا تريد ڤراص بدل بيطاط. تأسيس اتحادية فرنسا ڤراص يحمل المشعل من مهساس وطربوش يفهم من شهادة عبد الرحمان ڤراص وبعض رفاقه في اتحادية جبهة التحرير الوطني بفرنسا، أنه كان ضمن النواة الأولى لتأسيس الإتحادية، سواء مع مجموعة مهساس أو مع مجموعة مراد طربوش. كانت عملية التأسيس قد انطلقت في ديسمبر 1954، عندما اتصل بوضياف منسق الثورة الوليدة بين الداخل والخارج بمراد طربوش مسؤول اتحادية حركة الإنتصار بمنطقة شرق فرنسا سابقا وكلفه رسميا بهذه المهمة.. لكن أحمد مهساس بادر بدوره ابتداءا من فبراير 55، بمحاولة مماثلة مع امحمد يوسفي المفرج عنه لتوه من السجن، وآخرين من بينهم ڤراص أيضا. غير أن المحاولتين توقفتا مؤقتا في أواخر مايو بداية يونيو من نفس السنة، بعد التحاق مهساس بالقاهرة يوسفي بالمغرب، واعتقال طربوش رفقة أقرب مساعديه وهما الطالبان محمد العربي ماضي ومحمد زروق.. وهكذا وجد ڤراص نفسه وحيدا عمليا عقب ذلك فحمل المشعل، واستطاع في صائفة 55 أن يؤسس نواة صلبة، استطاعت أن تنشط بمأمن من مصالح الأمن الفرنسية حتى منصف نوفمبر 1956. هذه النواة كانت عبارة عن قيادة جماعية من العناصر الأربعة التالية: ڤراص، فضيل بن سالم، محمد مشاطي، أحمد الدوم.. وقد تقاسم الأربعة المسؤوليات والمهام فيما بينهم حسب التقسيم السابق للتراب الفرنسي زمن اتحادية حركة الإنتصار ففضل ڤراص الحفاظ على منطقته أي “ليون” وامتداداتها جنوب وجنوب غرب فرنسا، نشطت هذه النواة دون سابق اتصال، لا بالعاصمة الجزائرية ولا بالقاهرة.. وكان من أهم مبادراتها تأسيس صحيفة “المقاومة الجزائرية” التي صدر العدد التجريبي منها في 15 أكتوبر 55 والأول في 22 منه هذا التاريخ الذي كرم ابتداء من العام الجاري (2013) بترسيمه يوما وطنيا للإعلام. وفي بداية ديسمبر الموالي تلقت هذه النواة دعما من الداخل، في شخص المناضل صالح الوانشي الذي حل بباريس، ليتولى مهمة العلاقات الخارجية والدعوة للقضية الجزائرية وبسط اليسار الفرنسي. فضلا عن التكفل بصحيفة “المقاومة”.. ورغم مرونة الوانشي ودبلوماسيته، إلا أن تعليمات عبان له عند تعيينه ما لبث أن أثارت استياء ڤراص وبعض رفاقه.. من هذه التعليمات احتكار الوانشي للإتصال بالعاصمة، وتعيين الدوم (من العاصمة) للإتصال به وحده نيابة عن زملائه! وحسب هذا الأخير أن ڤراص كان يتساءل بمرارة “بأية صفة تتجاهل قيادة الثورة بالعاصمة جهودنا السابقة، ولا تولي مشاعرنا أدنى اعتبار؟!” ومع ذلك أصبح ڤراص بمثابة المسؤول السياسي، والمكلف بالتنظيم على مستوى اتحادية جبهة التحرير.. لكنه لم يدوم طويلا في منصبه هذا، لأن الشرطة الفرنسية كانت له بالمرصاد في 19 سبتمبر 1956 (4). كان ڤراص يتستر باسم فرحات السيد، وكانت الشرطة تظن أنه يتستر باسم جان الذي هو في الحقيقية الإسم الحركي للوانشي..هذا الإشتباه فضلا عن تهافت القرائن التي يمكن تورطه وتثقل عليه، كان ترشحه للإفراج السريع أو حسبه فترة قصيرة على أسوء تقدير.. لكن حدث أن غرّقه بن بلة دون أن يشعر، فقد ذكر إسمه الحقيقي في رسالة له مع الخارج، إثر إلحاق ڤراص ورفاقه في الاتحادية بسجن “لاصنتي”، ماجعل الأمن يستنتج أن ڤراص هو الشخص الذي يشار إليه باسمه الحركي “السيد”.. وبناء على هذا التغريق لم يفرج عنه إلا بعد وقف القتال وكان ذلك في أبريل 1962.. غداة الإستقلال وجد ڤراص نفسه ضمن الجماعة المكلفة بتأسيس جبهة التحرير الوطني باتحادية قسنطينة، وكان ينشط أساسا مع الأمين العام محمد خيضر الذي كان يوهم نفسه ويوهم مساعديه، “بأولوية الحزب” في نظام الحكم الجديد.. لكن في ربيع 1963 ظهر ما يثبت عكس ذلك: أولوية الجهاز التنفيذي بقيادة بن بلة، والمؤسسة العسكرية بقيادة العقيد هواري بومدين في ظل هذه الأولويات فضل ڤراص الإنسحاب.. ويقول رفيقه يوسف حداد: انسحبنا في أوج أزمة خيضر وبن بلة، فاتهمنا بالولاء إليه! انسحب ڤراص غاضبا، كما تدل على ذلك ملاحظته للطالب مصطفى سعداوي الذي انفرد بتسجيل شهادته، قال الشاهد بالمناسبة “أنت الوحيد الذي أدليت لك بشهادتي حول تلك الفترة لأنني كنت أقسمت ألا أفعل ذلك أبدا”. قبل أن يختم قائلا: “تلقيت عرضا مغريا لكتابة مذكراتي، لكنني رفضت”.. (*) اعتمدنا في أعداد هذه الحلقة على شهادات عدد من رفاق المناضل عبد الرحمان ڤراص، نذكر منهم خاصة عبد السلام حباشي ومحمد مشاطي ويوسف حداد وأحمد الدوم، فضلا عن شهادتي مسؤولين في المنظمة الخاصة بشرق البلاد هما عبد القادر العمودي (الجنوب) وإبراهيم الشرقي (سكيكدة)، كما اعتمدنا على شهادة نادرة لڤراص، هي عبارة عن جواب على استمارة طالب ماجستير (مصطفى سعداوي)، في إطار أطروحة حول “المنظمة الخاصة” (جامعة الجزائر). (1) أمثال بن عبد المالك وحباشي ومشاطي (2) من بين المجموعة أيضا بن عودة (عمار) بن مصطفى وعبد الباقي بكوش (3) هم أربعة: مشاطي، حباشي، سليمان ملاح، السعيد بوعلي.