أعادت الحرب الكلامية مؤخرا بين لطفي دوبل كانو، و عزو هوتكيلار، إلى الأذهان فترة الثمانينيات وزمن الشاذلي بن جديد، أين صارت أغنية الراي واجهة لاتجاه في السياسة ترمز إلى زمن الانفتاح وأسلوب العيش ”المتحرر”، حيث لجأ الشاذلي بن جديد عن طريق مستشاريه إلى تشجيع مطربي الراي، بل فتح لهم الأبواب وقدم لهم تسهيلات واتخذهم عنوانا لبداية مرحلة قيل يومها أنها تعني الانفتاح والقطيعة مع أساليب نظام بومدين، فكانت مثلا أغنية ”البيرا عربية والوسكي ڤاوري” أول أغنية دشنت هذه المرحلة وأخرجت الراي من الكباريهات والملاهي والحلقات السرية إلى الفضاء العام، وأدخله التلفزيون إلى البيوت والأعراس الجزائرية!. وقد أنجب هذا اللون من الغناء أسماء و”نجوم” قادت الراي من التمرد إلى أحضان السلطة، التي وجدت يومها أنه من الأنسب أن تستغله لصالحها ما دامت غير قادة على إسكاته عبر حملات التشويه في الصحف، التي كانت ترى هذا اللون من الغناء تعديا صارخا على الأخلاق والذوق العام السليم. ثم جاءت أحداث أكتوبر التي كانت قطيعة مع نظام وأسلوب الحكم في عهد الحزب الواحد، ومعها تراجعت أغنية الراي وتركت مكانها لميلاد ظاهرة صوتية جديدة في المجتمع هي ”الراب” الذي ظهر بالمدن الكبرى مثل عنابة ووهران، التي شهدت بروز فرق مثل”أنتيك”، و”أم. بي. أس”، و”حامة بويز” التي ظهرت في خضم الدمار والحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد، قبل أن يخمد صوتها الجماعي لصالح ظهور جيل من الأسماء التي اتخذت من الراب صوتا التعبير عن الأوضاع الاجتماعية للطبقات المسحوقة.. وكان منها الشاب الخريج من جامعة عنابة ”لطفي دوبل كانو”، أحد تلك الأسماء التي استقطبت الأنظار والأسماع بأغانيه الصادمة للواقع الاجتماعي، وبرز على الساحة منتصف التسعينيات بألبوماته مثل ”كاميكاز”، ”اللي هلكوا البلاد” و”لاكامورا”، وكان حينها لطفي يغني رفقة شاب آخر اسمه وهاب، وما لبث أن كان وقوف لطفي دوبل كانو في صف الرئيس الحالي دور في انهيار شعبيته لدى قطاع واسع من الشباب المهمش. وبرزت بعده أسماء حاولت أن تملأ الساحة التي استحوذ عليها، وكاد يخسرها ابن عنابة الذي يسمي نفسه ولد الشعب. أسماء أخرى، على غرار الرابر ”سولو مونتانا” الذي قاده انتقاده للرئيس والعسكر إلى محاولة اغتيال، حيث راجت أغنية ”اتهم” بقوة وانتشرت على مواقع النات، وفيها فتح قاموس الاتهامات والشتم في حق رموز السلطة من الشرطة والعسكر والقضاة وحملهم مسؤولية فقر الشعب. وقد فر بعدها الشاب إلى كندا، في حين أدانته العدالة الجزائرية بغرامات مالية بتهمة الإساءة إلى رموز الدولة، وهي نفس التهم التي طالت كل من عبد الرحمان وحسين تونسي، اللذين واجها حكما بعشر سنوات سجنا. لطفي دوبل كانو، الذي دخل مجال الدعوة الدينية من خلال برامج تلفزيونية، اعتبر البعض أن الأغنية التي قدمها مؤخرا في انتقاد أداء سلال على رأس الحكومة، هي محاولة منه لإعادة بناء الثقة بينه وبين جمهوره الذي اتنقد سابقا دخوله في مصالحة مع نظام بوتفليقة. بل هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك واعتبر أن لطفي كان مدفوعا من أسماء في الحكومة الحالية أرادت الانتقام من سلال، لأنها ليست على وفاق معه. وقد أكد مناجير لطفي أن هناك أطرافا اتصلت به وانتقدت الأغنية التي قدمها دون أن يذكر تلك الأطراف. وقد جاء تصريح المطرب ”عزو” مؤخرا، والذي اتهم لطفي بالولاء للخارج وتلقي أموال والتجارة بالإسلام.. ليدخل رسميا أغنية الراب إلى أروقة الصراع السياسي، ما يوحي أن كل الوسائل مباحة ومتاحة في إدارة اللعبة السياسية في الرئاسيات المقبلة، بما في ذلك الحناجر والآلات الموسيقية.. كيف لا ونحن نعيش في بلاد قذفت بمن كان عضوا في فرقة للعزف والغناء إلى هرم أكبر حزب في البلاد؟!.