قبل أسابيع قليلة، كان الحديث عن جماعات الإخوان المسلمين يُركز على مسألة السقوط السياسي لتنظيم الإخوان وفشله في إدارة الحكم. وفجأة ودون مقدمات قوية الدلالة، حدثت نقلة نوعية على مستوى الموقف من حركات الإخوان المسلمين إذ قامت أطراف عدّة بتصنيفها تنظيمات إرهابية مع ما يعنيه ذلك من إعدام رمزي وواقعي لحركة الإخوان المسلمين. البداية كانت مع مصر التي صنفت جماعة ”الإخوان” المصريين ”منظمة إرهابية”. من جهته أيضا، اللواء خليفة حفتر قائد القوات البرية الليبية السابق قال: إن ”المصيبة الحقيقية في ليبيا هي جماعة الإخوان”، ومؤخرا وليس أخيرا وفي خطوة وُصفت بالمفاجئة، قررت القيادة المشتركة للجيش السوري الحر إعلان جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا وحظر التنظيم داخل الأراضي السورية واعتقال قياداته. يبدو الطابع الفجائي مهيمنا على الحراك الذي عرفته جماعات الإخوان منذ تاريخ انطلاق ما يسمى الربيع العربي. ذلك أنها كانت الأكثر استفادة من حدث الثورات سواء في تونس أو مصر أو ليبيا حتى أنه يمكننا أن نتحدث عن نوع من ”أخونة” الربيع العربي وأسلمته سياسيا. في السنة الأولى والأشهر الأولى من السنة الثانية لما بعد تاريخ الثورة في تونس ومصر وليبيا، عرفت الجماعات الإخوانية فترة ذهبية صعد فيها نجمها وتمكنت من الهيمنة نسبيا على صناديق الاقتراع. ولكن بقدر ما كان صعود ”الإخوان” إلى الحكم سريعا وصادما للنخب السياسية المعارضة لآيديولوجيتها وللإسلام السياسي بشكل عام، فإن سقوطها أيضا وظهور بوادر الفشل ثم تأزمها وافتقارها إلى القدرة على التوافق السياسي مع مكونات المشهد السياسي الذي تنتمي إليه، ناهيك عن انعدام خبرتها بالحكم وشروطه.. كل هذه الأسباب أسهمت مجتمعة في تأزم المشروعية السياسية لهذه الجماعات رغم أنها جاءت إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع. وكما سقطت سريعا، فإن تحولها إلى تنظيمات إرهابية كان بنفس السرعة ولكن بأقل مفاجأة والحال أنه قبل أشهر كانوا يحكمون أكبر دولة عربية: مصر. نعتقد أن ما عرفته جماعات الإخوان من سرعة في الصعود والنزول زمنهما إلى الاجتثاث من الحياة السياسية من خلال تصنيفها منظمات إرهابية، يستحق قراءات معمقة عدّة، تقودنا إلى فهم موضوعي لا سياسي فقط لمسار الصعود والفشل والاجتثاث خاصة في إيقاعه السريع وحركته المفاجئة التي انتهت إلى أن جماعة الإخوان تجابه اليوم رفضا راديكاليا يمكن القول إنه أصبح – أي الرفض الراديكالي - معطى شبه مهيمن على الخارطة العربية والإسلامية وأيضا على الخارطة الدولية وتحديدا القوى الدولية الكبرى. بل إن الموقف منها كان في مضمونه تصعيديا بمعنى أنه لم يتبن أصحابه الكثر اليوم الإقصاء والعزل السياسي كمرحلة أولى وخيّروا السير في طريقة الحسم الوقائية والتداركية في نفس الوقت؛ الأمر الذي أدى إلى حشر جماعات الإخوان في الزاوية وطنيا ودوليا بتصنيفها منظمة إرهابية. طبعا قد نتمكن من فهم سرعة سقوطها وسرعة تصنيفها منظمات إرهابية عندما نستحضر كم الأخطاء النوعية التي ارتكبتها جماعات الإخوان المسلمين هنا وهناك وكيف أن أجندتها مشبوهة وإخوانية أكثر منها وطنية، إضافة إلى تورطها المتواتر والمفضوح في ظاهرة ازدواجية الخطاب والسلوك خصوصا أن وجودها في دائرة الضوء والحكم جعلها تُرى بشكل أفضل وتكشف بطريقة أسرع. لقد صعدت جماعات الإخوان سياسيا لأن بلدان الثورات العربية كانت تعيش فراغا سياسيا لم تستطع أن تسده إلى حين سوى جماعات الإخوان والشعوب التي تنتمي إليها تحمل لصالحها تمثلات إيجابية وصورة الجماعات المناضلة باسم الدين والتي عانت ظلم الأنظمة الديكتاتورية والمنفى والسجون خصوصا في تونس ومصر وليبيا في مرحلة ما قبل الثورات. ولكن مشكلة هذه الجماعات أنها لم تقرأ الواقع بموضوعية ولم تكن قادرة على التمييز وفهم الأسباب الحقيقية لصعودها وصدقت تمازج الحقيقة والوهم في فوزها الانتخابي. بل إن حتى تمثلها للمثال التركي، كان شكليا وسطحيا. واليوم بعد كل هذه الأحداث وتجaربة الإخوان المسلمين في بلداننا فإن الأكثر دقة ربما القول بأن المثال التركي محلي وعصي على الاستيراد، ذلك أنه – أي المثال التركي - ليس نتاج ثورة بقدر ما هو نتاج تدرج في العمل السياسي والنضالي وثمرة تجربة طويلة وصبورة في الديمقراطية المحلية أولا. كما أن المثال التركي متشبع بالفكرة المركزية التي يرددها عبد الله غل وهي أن الدولة لا دين لها. وهي فكرة حصنت التجربة الإخوانية التركية من مأزق ازدواجية الخطاب وأظهرت إلى أي حد استفادت وهضمت على طريقتها الخطاب اللائكي الأتاتوركي، في حين أن جماعات الإخوان في بلداننا اختارت نصب العداء للتوجهات العلمانية والحداثية وحرمت نفسها من التلاقح الآيديولوجي المفيد خصوصا إذا كان الطموح يرنو إلى المشاركة السياسية. طبعا لا تفوتنا الإشارة إلى ما يعيشه المثال التركي نفسه من أزمة. من جهة أخرى، نعتقد أن الشق السلفي المتشدد في جماعات الإخوان انتصر وفي انتصاره سقطت الجماعات وها هي اليوم موصوفة على نحو واسع دوليا: منظمة إرهابية. كيف حصل ذلك وهي التي كانت منذ سنوات عنوان الإسلام المعتدل؟ وكيف مرت سريعا من سيناريو كيفية استيعابها والقبول بها طرفا فاعلا في الحياة السياسية إلى واقع الحظر والتصنيف الإرهابي؟