هل نحن في عصر الفتنة الكبرى الثانية.. أم في عهد ديمقراطي عربي جديد، وصفه البعض تحببا بالربيع العربي؟ عصر الفتنة الكبرى الأولى معروف، وهي الفتنة التي وقعت في فجر العهد الإسلامي، بين كبار المسلمين، وفيهم كبار الصحابة، بين الحجاز والعراق ومصر والشام واليمن. وتفاصيل هذه ”الفتنة الكبرى” ومجرياتها هي التي وسمت المسلمين كلهم بميسمها حتى اليوم. في مقابلة تلفزيونية سابقة مع الزعيم السياسي اللبناني وليد جنبلاط، قال البيك، وهو يصف اختلال الأحوال العربية بسبب ”الربيع العربي”، إن ما جرى هو ”انهيار جدار برلين العربي” لتتدفق من خلف الجدار المنهار سيول الفوضى وأحقاد التاريخ. قال أيضا: ”إننا لم نفلح في حل خلافاتنا منذ عصر الفتنة الكبرى الأولى، وإننا الآن نصفي حسابات التاريخ”. ربما يبدو هذا الكلام موغلا في الإحباط والماضي، لكن حين نبصر القتال بين المتطوعين في سوريا، مع النظام وضده، نسمع صرخات صفين والنهروان ودير الجماجم، تشق الآذان. مقاتلون شيعة من العراق واليمن، والبحرين، وطبعا من لبنان وإيران، يرفعون سلاح ”يا لثارات الحسين”، في مقابلهم ”مجاهدون” من الخليج وشمال أفريقيا ومصر، وكل مكان في هذا العالم، حتى أوروبا، يهبّون للدفاع عن الشام الشريف، شام السنة والإسلام، ضد الروافض والمجوس. العبارات السابقة هي أوصاف يطلقها كل فريق على الآخر الآن في سوريا. أيمن الظواهري، قال في كلمة وجهها ”لإخوانه” في سوريا بثتها مؤسسة ”السحاب” القاعدية: ”أما الأمرُ فهو للشيخِ الفاتحِ أبي محمدٍ الجولانِي - حفظه اللهُ - وكلِ جنودِ جبهةِ النصرةِ الكرامِ، والمناشدةُ لكلِ طوائفِ وتجمعاتِ المجاهدين في شامِ الرباطِ بأن يتوقفوا فورا عن أي قتالٍ فيه عدوانٌ على أنفس وحرماتِ إخوانِهم المجاهدين وسائرِ المسلمين، وأن يتفرغوا لقتالِ أعداءِ الإسلامِ من البعثيين والنصيريين وحلفائِهم من الروافضِ”. وناشد الظواهري زعيم ”داعش” بالقول: ”الشيخ المكرم أبي بكرٍ الحسيني البغداديِ؛ اقتدِ بجدِّك الحسنِ السبطِ رضي اللهُ عنه، الذي تنازل عن الخلافةِ، وحقن دماءَ المسلمين”. الظواهري، في تسجيل آخر حرّض فيه على الإرهاب بمصر، جزم بأن بن لادن موجه الثورات العربية، مؤكدا: ”أثبتت الأحداث بصيرة الشيخ، وأنه كان يدعو لأن تكمل الثورات مسيرتها التي ضاعت في مستنقع الديمقراطية”. ضع كلام الظواهري بجوار كلام يحيى رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني والمستشار العسكري الحالي للمرشد الإيراني الأعلى، حول أن حدود بلاده الحقيقية ليست كما هي عليه الآن، بل تنتهي عند شواطئ البحر الأبيض المتوسط عبر الجنوب اللبناني، مؤكدا: ”هذه المرة الثالثة التي يبلغ نفوذنا فيها سواحل البحر الأبيض المتوسط”، مستذكرا بفخر غزو الإمبراطوريات الفارسية قبل الإسلام للشام! ستخرج بخلاصة خطيرة، تقترب من خلاصة وليد جنبلاط، وهي أننا أمام استئناف مدمر لحروب فجر التاريخ الإسلامي. والكل مستعد فيها لاستنفار كل الجنون والفنون والنفس والنفيس. وبدأت الفتنة الكبرى.. الثانية.