يتجه الكاتب والروائي بلقاسم رباحي إلى تصنيف منطقي للرؤية الأدبية العصرية والتي تنطوي ضمن اختلاجات فلسفية رائعة تقودها ميكانزمات متباينة لا تظهر إلا في نقاط تفاصل حقيقية أساسها الشعر الممتنع، كما أراد أن يسميه.. إنه البعد الأخلاقي في كوكبة عامة من الإبداعات الخارقة للطبيعة الإنسانية، فغازل الأدب ب”شعاع الحب” وهي مجموعة شعرية صدرت مؤخرا عن دار منشورات ”إديليفر” الفرنسية. ”الفجر” التقت” بالشاعر والأديب وكانت هذه الدردشة الممتعة معه.. ما هو اللون الشعري الذي تناوله الشاعر رباحي في جل أعماله الأدبية؟ أحاول من خلال كل أعمالي أن أخاطب جمهور الأدب بلغة الشعر البسيط الممتنع، أوظف فيه أحاسيس مفعة وحبا ”عظيما”، فأوظف لغة سهلة تظهر من خلال مفردات مباشرة تعكس الرؤية الحقيقية للواقع المعيشي الذي يظهر من خلال العناصر الفاعلة في المجتمع، حيث أحاول أن أعيش اللحظة المفعة بالهدوء والتأمل لواقع الحياة التي تندرج ضمن معتقدات روحية معقدة، وفي الأخير أستخلص لحظات ”الحلم والهدوء” الذي أصبحنا نفتقده في وقتنا الحالي. نكتشف من خلال مجموعتك الشعرية ”برج الأقلام” وفي ”عتمة الليل هناك نور”، وهي مجموعة شعرية باللغة الفرنسية أيضا، سلسلة من الكلمات السحرية ذات الطابع الفلسفي والشعري. لماذا هذا التباين في الإحساس ؟ لم أحدد الفئة التي أتجه بها في أشعاري وحتى في الكتابات الأدبية التي صدرت لي، ولكن أعمالي تتجه أساسا بالنسبة للقراء ناضجين أو أطفالا، وهي رسالة إلى كل أطفال الجزائر، من أجل أن يحبوا القراءة والمعرفة العالمية، حيث يجب أن يكون لديهم شغف بالمعرفة العالمية الحالمة بالإبداع والنور. ونحن حاليا نعيش في زمن يخوص فيه الفرد ضمن موسوعة حياتية حالمة، ولكنها مليئة بالأشواك والصدمات ولمَ لا نحلم بالأفضل والمثالية، فلا أقصد بطبيعة الحال المدينة الفاضلة لأفلاطون، ولكن لدينا كل الإمكانات لإنجاح نموذج مجتمع متوازٍ ودائم. عن طريق الثقافة نستطيع أن نساهم في تقدم الأمور، لننسى الألم ونركز على مبادئ الاحترام وحب الأهل وزرع الحب والسلام بين الناس، لنقلها إلى الأجيال القادمة يكفينا صراعات وكفى الإحساس بالإحباط، إنه النموذج الذي أردت أن أعالجه في إصدار ”أيها القلب الجريح تضمّد” عن دار البراءة، وحاولت أن أدرج الصدمات التي تعرض لها أطفالنا مؤخرا من اختطاف واغتصاب، هنا يصمت الكلام وتنفجر الأحاسيس عندما تغتصب البراءة، إنه زمن عجيب وغريب عن كل معتقداتنا وأعرافنا. قدمت 87 قصيدة تنوعت محاورها، هي عبارة عن قصص مأساوية من الواقع حركت أحاسيسي واستنطقت قلمي، على غرار قصة الشابة آمال والتي قتلت بطريقة تراجيدية على يد مجرم قطفها في ربيع عمرها، وهذا ما جعلني أكتب قصيدة ”باقة الزهور”. يعتبر بلقاسم رباحي واحدا من الأدباء الجزائريين المقيمين في فرنسا، من مواليد 1959 تملكون رصيدا أدبيا معتبرا، ماذا تقولون عن مسيرتكم الأدبية؟ إنه لشرف كبير بالنسبة لي خاصة بعد حصولي على الجائزة الشرفية لجائزة ”ناجي نعمان الأدبية” في لبنان سنة 2009، أمام كم هائل من الشعراء والأدباء في العالم العربي، وقد كان رصيدي الأدبي والمتمثل في إصدار ”قصور الأحلام” و”برج الأقلام” سنة 2011، إلى جانب الكتابات الشعرية باللغتين الفرنسية والعربية، ”في عتمة الليل هناك نور”، وهو مجموعة شعرية باللغة الفرنسية. كيف تحددون المشهد الأدبي الجزائري في الوقت الراهن؟ ما نستطيع أن نقوله أن الإبداع الجزائري حاليا في تطور متباين مع الحفاظ على البصمة الأصلية لمبدعينا في الوقت الماضي وعمالقة الشعر والأدب، ومن الصعب الحديث عن الأدب الجزائري المعاصر، دون التصادم بإشكالية اللغة التي يعبر بها هذا الأديب أو ذاك، وتزداد الإشكالية تعقيدا حين يتعلق الأمر ب”شرعية” تمثيل النص الأدبي للهوية الثقافية للجزائر، في بلد تتنازعه لغتان: الفرنسية والعربية. ومن السهل القول إن المسألة لا تطرح ”أزمة” في المفاهيم، انطلاقا من أن اللغة ”حيادية” وأن الفكرة التي يزفر بها قلم الأديب، هي الأساس، والجوهر، وبالتالي ”الهوية” لدى الكاتب والمبدع لا يمكن تحديدها وحصرها في جنسية اللغة التي يكتب بها المؤلف روائعه الإبداعية.