كانت ”الفجر” محظوظة بحضورها جلسة من جلسات الذكر في بيت سيدة من ”بني ميزاب”، التي كشفت لنا أنها عادة متجذرة في عائلتها، حيث تجتمع مجموعة من النسوة من جميع فئات العمرية للاستماع إلى القرآن الكريم وتفسير آياته والمغزى الحقيقي وراء نزولها. فضولنا أخذنا إلى بيت تلك السيدة الطيبة التي استقبلتنا بكل رحب وسعة، حيث أدخلتنا إلى إحدى الغرف أين كانت المفاجأة، نساء طاعنات في السن وفتيات يجلسن على زربية كبيرة ملتفات حول سيدة وهي تحمل المصحف وتشرح آياته بأسلوب يحفر في العقول، وكانت تتعمد في كل مرة تكرار الآيات المشروحة لكي ترددها النسوة الحاضرات. استمتعنا بتلك اللحظات التي لن ننساها، وخلال الاستراحة التفت حولنا النسوة الحاضرات كوننا لأول مرة نحضر مثل هذه الجلسات، حيث دعوننا لتعويد أنفسنا على حضور قعدات الذكر. نحن حضرنا في بيت حرة من حرائر بني ميزاب اللواتي طالما كنا نراهن منعزلات عن المجتمع يعشن في عالمهن الخاص، لكننا اليوم اقتحمتنا ذلك العالم ولم نجد إلا الكرم والهدوء والبساطة.. نساء متدينات متعلمات رغم مكوثهن في البيوت، ينظمن جلسات للذكر والتدبر والتمعن في القرآن بأسلوب ومستوى أقل ما يقال عنه أنه لدعاة دين وليس اسلوب نساء بسيطات، كتلك النسوة التي جمعنا القدر بهن، حيث مكنتنا الصدفة من إلقاء نظرة على يوميات حرائر النساء الميزابيات، كن طوال الوقت يتبادلن التحية والابتسامة، ليجتمعن بعد ساعات من الذكر على مأدبة غذاء المتكونة من طبق الكسكسي بالدجاج وتمر من ولاية غرداية الشهي ولبن حلو المذاق وبعض الفاكهة. ورغم بساطته إلا أنه كان ألذ طعام تناولناه في حياتنا بعد تشبع جوارحنا بسماع القرآن الكريم. إنه حقا عالم جميل وعادة أجمل، لأننا لم نكن على دراية أن الميزابيات مثقفات وراقيات لهذا الحد، فرغم بساطتهن في الحديث والمعاملة إلا انهن خلقن جوا رائعا تفتقده الكثير من العائلات بعد غزو التكنولوجيا وتباعد الأحباب وترك القرآن. وقد أكدت لنا تلك السيدة أن هذا النوع من الجلسات، وهذه اللمة النسوية الدينية عادة متجذرة في هذه العائلة وهن يقمن بها كل ما أتيحت لهن الفرصة ولا يبغون منها إلا الأجر، وهي تجربة جعلتنا نستوعب أمورا كثيرة. وقد تعلمنا من تلك الجلسة أنه لا معنى لكل مغريات هذه الدنيا، فنحن خلقنا لنساعد بعضنا البعض لأن كل واحد منا مسؤول على الإنسان الذي بجانبه يعضه إذا أخطأ ويرشده إلى طريق الصواب ويساعده على نيل الحسنات. وأضافت ذات السيدة المنظمة لهذه القعدة، أن جلسات الذكر هذه ليست العادة الوحيدة التي تقوم بها النساء الميزابيات، إذ هناك عدة نشاطات يقمن بها - تضيف ذات المتحدثة - ومن بينها جمع الفتيات اللاتي وجبت عليهن الصلاة في منزل لعدة أيام من أجل تعويدهن على الصلاة وأخذ دروس دينية وفقهية تفيدهن في حياتهن اليومية من أجل إعدادهن إعدادا دينيا جيدا وتأسيس أسر تقوم على أساسيات الدين الإسلامي الحنيف، مضيفة أن هذه العملية ستقام بعد انقضاء شهر الصيام، ناهيك عن نشاطات أخرى تقام على مدار السنة.