عقب مونديال ألمانيا 1974 منح الإتحاد الدولي الدورة الثالثة عشرة إلى كولومبيا التي لم تستعد بهذا الشرف بعد أن انقسمت إلى قسمين. فهناك قسم هلل لهذه المناسبة باعتبارها فرصة لتحسين صورة هذا البلد في الخارج، بينما هناك قسم آخر يرى أنه من الأفضل تخصيص ميزانية المونديال لتحسين معيشة الكولومبيين التي كانت مزرية، وأمام تضارب الآراء لم يجد الرئيس الكولومبي بيتا كور بيليسار سوى إعلان اعتذار كولومبيا عن تنظيم النهائيات في 25 أكتوبر 1982 على المباشر، وهذا ما فتح الباب من جديد أمام البرازيل، كندا، الولاياتالمتحدة والمكسيك للتنافس لاحتضان الدورة، وفي 20 ماي 1983 بستوكهولم أعلن عن البلد الذي سيعوض كولومبيا، فكان المكسيك الذي سبق وأن احتضن المنافسة قبل 16 سنة، ليكون أول من يتشرف بالمونديال مرتين. وقد شارك في التصفيات 121 منتخبا ليكون عدد الحاضرين 24 فريقا. ورغم أن المكسيك اجتهدت لضمان تنظيم جيد رغم أنها غارقة في الديون ومشاكل البطالة... ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أن زلزالا مدمرا ضرب بلاد الأزتيك قبل 8 أشهر عن المونديال، فأسفر عن خسائر مادية جسيمة وبشرية قدرت بعشرين ألف ضحية... ورغم ذلك رفع المكسيكيون التحدي وانطلق المونديال في موعده، ومواجهة رفع الستار كانت بين حامل اللقب إيطالياوبلغاريا، والتي انتهت كالعادة بالتعادل، بينما فازت الأرجنتين علي كوريا الجنوبية ب(3-1) وفي مواجهة القمة بين حاملي آخر كأسين الأرجنتينوإيطاليا سجل ماردونا أول أهدافه في هذه الدورة، بينما حمل الهدف الإيطالي توقيع ألتوبيلي من ضربة جزاء، ليتأهل المنتخبان ومعهما بلغاريا كأحد أحسن الثوالث، أما المجموعة الثانية فقد عرفت تألق البلد المنظم، الباراغواي، بلجيكا، على حساب العراق الذي كان أحد ضحايا التحكيم، أما الثالثة فقد عرفت سيطرة سوفياتية فرنسية، وفي الرابعة فازت البرازيل بمقابلاتها الثلاث لتتأهل وترافقها إسبانيا، وكان بإمكان المنتخب الجزائري مرافقتهما لو تفادى الهزيمة في المواجهة الأخيرة. المجموعة الخامسة كانت لصالح فيكينغ الدانمارك الذين أبدعوا ورافقتهم ألمانيا الغربية والأوروغواي، المجموعة الأخيرة كانت صدارتها لاسود الأطلس المغربية، تاركين المرتبة الثانية للإنجليز وبولونيا. وفي الدور ثمن النهائي تجاوزت المكسيك الحاجز البلغاري بفضل نيغريتي بضربة مقصية رائعة جدا جدا، وهدف ثان من سرفين، بينما احتاجت بلجيكا إلى مساعدة من الحكم لتهزم السوفيات، أما البرازيل فقد واصلت اكتساحها بعد أن قصفت بولونيا برباعية نظيفة، أما حامل اللقب فقد توقف عند هذا الحد وخرج على يد فرنسا، في حين ألمانيا فقد تأهلت بعد حمام بارد أمام المغرب، وإذا كان المنطق قد احترم في مواجهة إنجلترا - الباراغواي، فإنه لم يكن كذلك في لقاء إسبانيا - الدانمارك الذي انتهى بنتيجة لم يتوقعها أحد (5-1) لصالح الثيران، في الدور ربع النهائي كان التكافؤ سيد الموقف بدليل أن كل المقابلات كان الفصل فيها بركلات الترجيح، ماعدا مواجهة الأرجنتين - إنجلترا التي حسمها مارادونا بهدف باليد وآخر على الطريقة المارادونية، فقد جرى بالكرة قبل خط وسط الميدان وتجاوز الإنجليز بمهارة فائقة ليراوغ الحارس شيلتون ويمضي أروع أهداف المونديال، أما باقي المواجهات فكان التعادل فيها سيد الموقف، البرازيل ضد فرنسا سجلت أولا بفضل كريكا، لكن بلاتيني أدرك التعادل وهو أول هدف في مرمى البرازيل التي أدار لها الحظ ظهره في ضربات الجزاء، أما البلد المنظم فقد التقى بالألمان في مباراة عنيفة شهدت عشرة إنذارات ( 2 حمراء، 8 صفراء) لكن دون أهداف، وفي ضربات الجزاء كان الألمان أكثر تركيزا ليتأهلوا، أما بلجيكا فقد حالفها الحظ أمام إسبانيا ودائما بالركلات الترجيحية، لكنها في نصف النهائي انهارت أمام الفتى المارد مارادونا الذي أمضى مرة أخرى ثنائية، أما المواجهة الثانية فقد أكدت تفوق الألمان على الفرنسيين بهدفين من بريمي في البداية وفولر في النهاية، لتكتفي فرنسا بالمركز الثالث بعد فوزها على بلجيكا بعد الوقت الإضافي... الدور النهائي كشف بوضوح عن طول النفس الألماني عندما عدلوا النتيجة بعدما تلقوا هدفين في البداية، لكن اللمسات السحرية للفتى المارد مارادونا الذي تمكن من جذب كل الدفاع الألماني وتحرير زميله بوريشاغا الذي أحرز الهدف والذي قضى على الألمان ووضع الأرجنتين في أعلى المنصة. بعد ملحمة أسود الأطلس في المكسيك خوزي فاريا تحول إلى مهدي وأعلن إسلامه سيبقى أسود الأطلس يذكرون نهائيات مكسيكو 1986 لأن فيها عاشوا أزهى أيامهم الكروية، بعد تمكنهم من السيطرة على المجموعة الثامنة، فبعد تعادلين أمام بولونياوإنجلترا، طار رفقاء التيمومي في اتجاه واحد في المواجهة الثالثة ضد البرتغال، ويومها تألق عبد الرزاق خيري الذي أمضى ثنائية خالدة، وأضاف زميله كريمو الهدف الثالث، ليكون المنتخب المغربي أول منتخب من إفريقيا والعالم العربي الذي يتجاوز الدور الأول، ويومها وعد المدرب البرازيلي باعتناق الإسلام في حال نجاحه في التأهل. وقد أنجز وعده حيث غير اسمه إلى مهدي، لكن من سوء حظه أن القرعة أوقعته أمام المانشافت في الدور ثمن النهائي الذين فازوا بشق الأنفس بمخالفة ماتيوس في مرمى الزاكي والمباراة تلفظ أنفاسها (د 88)، لتنتهي أحسن مشاركة لأسود الأطلس في نهائيات المونديال الذي كان انطلاقة جديدة للاعبيه نحو الاحتراف، منهم الزاكي (مايوركا الإسباني) ومحمد التيمومي (مورسيا الإسباني) وعزيز بودربالة (ماترا راسينغ الفرنسي) ومصطفى الحداوي (سانت اتيان الفرنسي).. أصداء من الدورة قدم مارادونا إلى كأس العالم وهدفه واضح وهو العودة باللقب إلى بيونس آيرس، لذلك بدأ المنتخب الأرجنتيني البطولة بهدوء فتصدر مجموعته التي ضمت إلى جانبه إيطاليا، بلغاريا وكوريا الجنوبية، ووضح أن هناك جيلا جديدا في منتخب التانغو جاء من أجل اللقب، فظهرت مجموعة جديدة من نجوم الكرة الأرجنتينية مثل فالدانو وبوريشاغا وبراون والحارس بومبيدو، وكل هؤلاء بقيادة المايسترو مارادونا الذي قاد المنتخب الأرجنتيني، لاسيما في مباراتي إنجلتراوبلجيكا في الدورين ربع ونصف النهائي، واللذين كانا عرضًا خاصًا للنجم الكبير الذي قدم كل فنون الكرة، وسجل أهدافا لا تزال تعتبر علامات الكرة العالمية. تمكن غاري لينكر خلال أولى 6 مبارياته الدولية مع منتخب إنجلترا من تسجيل 12 هدفا، ما دفع المدرب الإنجليزي بوبي روبسون إلى وضع اسمه في قائمة المنتخب الذي شارك في مونديال 1986 في المكسيك، ونجح لينكر فيها في دخول التاريخ من بابه العريض، بعدما أصبح أول إنجليزي يفوز بلقب هداف كأس العالم في المكسيك، متقدما على أفضل اللاعبين العالميين في البطولة أمثال الأرجنتيني مارادونا والبرازيلي كاريكا والإسباني بوتراغوينيو ليظفر بعد هذا التألق بعقد مع البارصا. أسرع هدف سجله بوتراغينيو الإسباني في الثانية 63 من لقاء بلاده وإيرلندا الشمالية. حضرت الكرة العربية بثلاثة منتخبات في مكسيكو بتأهل الجزائر، المغرب من إفريقيا والعراق من قارة آسيا. نوستالجيا خضرا الدور الثاني غازلنا لكننا رفضناه ! غيرت الفيفا نظام بطولة كأس العالم بالمكسيك التي شارك فيها 24 منتخبا تم توزيعهم على 6 مجموعات كل مجموعة بأربعة منتخبات، على أن يكون المرور للدور الثاني أو الدور ثمن النهائي للمنتخبات التي تحتل المرتبتين الأولى والثانية في كل مجموعة، زائد أفضل 4 منتخبات تحتل المركز الثالث، وهذا ما كان يعني أن حظوظ الخضر كانت كبيرة جدا لتحقيق حلم الدور الثاني. فرغم التعادل في المباراة الأولى أمام إيرلندا الشمالية ثم الخسارة أمام البرازيل، كان التعادل أمام إسبانيا سيكون كافيا للتأهل، وهذا بعد فوز إسبانيا على إيرلندا الشمالية وخسارتها من البرازيل، علما وأن هذا الأخير أي منتخب السحرة تعهد بالإطاحة بإيرلندا رغم ضمان تأهله، وهذا بعد الوجه الرائع للخضر أمامهم، أي أن حتى البرازيليين كانوا يريدون لمنتخبنا أن يتأهل، والواقع أن الجزائر كانت وقتها محبوبة من الجميع، فحتى مدرب المغرب مهدي فاريا صرح بعد فوز أسود الأطلس على البرتغال وتأهلهم أن الجزائر ستفوز أمام إسبانيا وستتأهل، بل حتى مسؤولي المنتخب الإسباني حاولوا التقرب من مسؤولي الخضر لتحويل المباراة من رسمية إلى شكلية وإنهائها بالتعادل الذي يؤهل المنتخبين، وبالتالي تفادي بذل مجهودات واقتصادها للمباريات القادمة، لا سيما وأن المونديال كان يلعب في مرتفعات تحبس الأنفاس، وأكثر من ذلك فقد نظم الاتحاد الإسباني مأدبة عشاء على شرف الخضر لترسيم الاتفاق، لكن أعضاء منتخبنا كانوا غارقين في شقاق ما اصطلح عليه بصراع المحليين والمحترفين، فلم يولوا الأمر أية أهمية ولم يحضر أي جزائري للوليمة الإسبانية، وهذا ما أغضب الثيران التي دخلت المواجهة وهي في قمة الهيجان، ومع الهشاشة التي أظهرها الخضر بعد الخلافات بين اللاعبين ليلة تلك المباراة، خرجنا بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها... !