تشهد منطقة وادي يعقوب الكائنة بقرية الرحمونية بحي زواغي سليمان بقسنطينة، والتي تضم أكثر من عشرين عائلة، عزلة كبيرة رغم موقعها غير البعيد عن المدينة، حيث يشتكي قاطنوه الذين التحقوا للعيش فيه منذ ربع قرن من الزمن من العزلة التامة عن العالم الخارجي، في ظل عدم توفر أدنى ظروف العيش الكريم. يتخبط سكان هذه المنطقة النائية وسط ظروف اجتماعية جد قاسية عكرت عليهم صفو حياتهم اليومية جراء افتقار قريتهم لأبسط ضرورات العيش الكريم، أين تتجرع أكثر من 20 عائلة الأمرين لمجابهة شبح العزلة والتهميش الذي يحوم بهم منذ عشرات السنين، حيث لم يشهد واقعهم اليومي أي تغيير يذكر على جميع الأصعدة يرقى بوتيرة حياتهم اليومية التي سئموا تحمل أعباءها القاسية. ليدفع بذلك هؤلاء المواطنين البسطاء ثمن تشبثهم بممتلكاتهم وأراضيهم الفلاحية غاليا، أين حرم سكان المنطقة الاستفادة من أبسط ضرورات العيش الكريم الذي طالما طمحوا إليه، فالمتجول عبر مختلف ضواحي هذه القرية ذات الجمال الطبيعي الخلاب يلمح منذ الوهلة الأولى حجم المعاناة اليومية التي يتخبط فيها الأهالي الذين أعربوا ل”الفجر” عن امتعاضهم واستيائهم مما لحقهم من تهميش ولامبالاة من قبل الجهات المسؤولة على مر السنوات الماضية، على الرغم من شكاويهم العديدة التي تم رفعها لمختلف الجهات الرسمية بضرورة التمعن في انشغالاتهم المتعلقة بتوفير كافة متطلبات العيش الرغد، وعلى رأسها الاستفادة من مشاريع التهئية الحضرية وكذا مد قنوات مياه الشرب وشبكة الغاز الطبيعي، باعتبارها احتياجات لا غنى عنها في حياتهم التي حرموا منها نتيجة غض الطرف عنهم وعدم احتواء انشغالاتهم من طرف مسؤوليهم. ويعاني سكان وادي يعقوب، حسب تصريحات السكان، من انعدام الطريق الرابط بينه وبين باقي الأحياء المجاورة، ما صعّب تنقلاتهم وجعلهم يفضلون تجنبها، لاسيما خلال فصل الشتاء الذي تتحول فيه المسالك الترابية والطريق الجبلية لما يشبه المستنقعات بفعل الوحل والطين. ويشتكي سكان الحي المذكور من انعدام التغطية الصحية، حيث أن أقرب مؤسسة استشفائية تقع بمنطقة زواغي سليمان، وهي مسافة يرفض أصحاب سيارات الأجرة و”الفرود” على حد سواء قطعها عند تردي الأحوال الجوية شتاء. ولا تتوقف معاناة السكان عند هذا الحد، وإنما ما زاد الطين بلة هو انعدام الربط بقنوات المياه الشروب من جهة والغاز الطبيعي من جهة أخرى، فيما لازال انعدام قنوات الصرف الصحي يطرح بقوة، لاسيما خلال ارتفاع درجات الحرارة، حيث لايزال السكان يعتمدون على الطرق البدائية التي تتمثل في ربط كل منزل بأنبوب يصب قريبا، ما يشكل خطرا حقيقيا على الصحة العمومية، أين لا يخلو المكان من انتشار مستنقعات المياه القذرة جراء التسربات الكثيرة لقنوات الصرف الصحي الوضع الذي يشكل تهديدا مباشرا على سلامة صحتهم، خاصة مع حلول موسم الصيف أين تساهم درجات الحرارة المرتفعة في انتشار الروائح الكريهة التي يصعب التعايش معها، دون الحديث عن انتشار الحشرات الضارة التي تساهم بشكل رئيسي في تفشي الأمراض الجلدية المعدية، فضلا عن تلوث المحيط وانتشار الجرذان، ناهيك عن معاناة المارة في اجتياز سيول المياه القذرة التي لا يكاد يخلو منها المحيط أثناء تهاطل الأمطار بغزارة، ما يحول مختلف مسالك القرية غير مهيأة تماما إلى مستنقعات راكدة من الأوحال وبرك من المياه القذرة تنبعث منها مختلف الروائح الكريهة، حيث أكد السكان أن قريتهم لم تستفد البتة من أي مشاريع تنموية من شانها رفع الغبن عنهم أبسطها عدم توفر الإنارة العمومية أين يعيش السكان في ظلام دامس مع أول ساعات المساء، الأمر الذي يعصف بأمنهم وأمن ممتلكاتهم. وقد طالب السكان أيضا ضرورة عدم إقصائهم من حملات النظافة التي يتم تنظيمها من قبل مصالح البلدية في إطار مخطط الجزائر البيضاء، لتخليصهم من المزابل العشوائية التي أضحت نقطة سوداء تشوه المحيط وتخل بتوازن النظام البيئي، لاسيما أنها أضحت وكرا آمنا لانتشار الكلاب الضالة التي كثيرا ما تسببت في إصابة أبنائهم بعضاتها الشرسة. السكان، في معرض حديثهم معنا، طالبوا السلطات المحلية ضرورة أخذ انشغالاتهم بكل جدية، خاصة أنها عكرت عليهم صفو يومياتهم وجعلتهم بعيدين كل البعد عن حيز المدنية الذي يصبو إليه كل مواطن جزائري، آملين أن تلوح في الأفق القريب بوادر التغيير التي من شأنها تخليصهم من ويلات قساوة حياتهم هذه التي أضحت لاتطاق في ظل تغاضي السلطات الوصية عن التكفل بانشغالاتهم التي لا تخرج - حسبهم - عن حيز العقلانية.