(8) طبيعي أن الملك في كل أمة لا يقوم إلا على الغلب والقوه.”فإن الملك منصب شريف ملذوذ، يشتمل على جميع الخيرات الدنيوية، والشهوات البدنية، والملاذ النفسانية، فيقع فيه التنافس غالباً، وقل أن يسالمه أحد لصاحبه إلا إذا غلب عليه”(مقدمة ابن خلدون) وطبيعي في الأمم الإسلامية بنوع خاص أن لا يقوم فيهم ملك، إلا بحكم الغلب والقهر أيضاً، فإن الاسلام هو الدين الذي لم يكتف بتعليم أتباعه فكرة الإخاء والمساواة، وتلقينهم مذهب أنَ الناس سواسية كأسنان المشط، وأن عبيدكم الذين هم ملك يمينكم اخوانكم في الدين، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، لم يكتف الإسلام بتعليم أتباعه ذلك المذهب تعليماً نظرياً مجردًا، ولكنه أخذ المسلمين به أخذًا عملياً، وأدبهم به تأديباً، ومرنهم عليه تمرينا، وشرع لهم الأحكام قائمة على الاخوة والمواساة، وأجرى عليهم الواقعات، وأراهم الحادثات، فاحسوا بالأخوة إحساساً ولمسوا المساواة لمساً.ولم يتركهم رسولهم الأمين صلوات الله عليه وسلامه إلا من بعد ما طبع قلوبهم على ذلك الدين أشربها ذلك المذهب، ولم تقم دولتهم إلا حين كان ينادى أحدهم خليفته فوق المنبر، لو وجدنا فيك اعوجاجًا لقومناه بسيوفنا. من الطبيعي في اولئك المسلمين الذين يدينون بالحرية رأياً، ويسلكون مذاهبها عملاً، ويأنفون الخضوع إلا الله رب العالمين، ويناجون ربهم بذلك الاعتقاد في كل يوم سبع عشرة مرة على الأقل، في خمسة أوقاتهم للصلاة، من الطبيعي في أولئك الأباة الأحرار أن يأنفوا الخضوع لرجل منهم أو من غيرهم ذلك الخضوع الذي يطالب به الملوك رعيتهم، إلا خضوعاً للقوة، ونزولا على حكم السيف القاهر. ..يتبع