لا تزال عديد العائلات القسنطينية تحتفظ بعاداتها وتقاليدها التي ورثتها عن الأجداد في إقامة مختلف الأعياد والاحتفالات، حيث بقي العرس القسنطيني إلى يومنا شاهدا على عراقة المدينة ويقدم للأجيال موروثا ثقافيا هائلا ينم عن تراث تزخر به المدينة التي استحقت أن تلقب بعاصمة الشرق الجزائري، فعلاوة على مناظرها الفريدة من نوعها التي تسحر كل من يزور الجسور المعلقة، ظلت مختلف التقاليد التي تخص المدينة محفورة في ذهن كل من عايشها. يعتبر العرس القسنطيني من أهم المناسبات الخاصة التي تظهر جل ما تشتهر به مدينة “سيرتا” من تراث يتجسد عموما في اللباس والمأكولات التقليدية. وللتعرف أكثر على تفاصيل العرس بعاصمة الشرق، لم نجد أحسن من السيدة “شافية” إحدى من يمتهن خياطة اللباس التقليدي القسنطيني المعروف “بالفرقاني”، حيث اغتنمنا فرصة لقائها للتحدث معها حول صناعة هذه الجبة. تسرد “شافية” تحضيرات العرس، فتقول إنه وباقتراب موعد الزفاف يبدأ كل من أهل العريس والعروس في التحضير للمناسبة على قدم وساق من إعادة ديكور البيت إلى تحضير الحلويات، فيما تتكفل نساء العائلة الكبيرات في السن بدعوة الحضور، ويكون ذلك حسب التقاليد العريقة للمدينة ليلة قبل العرس بطريقة فريدة من نوعها تعتمد على حبات الحمص، حيث وكلما قمن بدعوة عائلة معينة خصصوا لها حبة حمص إلى أن ينتهي عدد حبات الحمص التي كانت مخصصة للدعوة، وعن مراسيم دعوة الضيوف تلك تؤكد أنها زالت من عادات جل العائلات. تحضير جهاز العروس يكون منذ بلوغها ومن أهم مستلزمات العروس القسنطينية التي يجب أن تحضرها قبل العرس، مختلف الألبسة اليومية والأمتعة التي تأخذها معها عندما تتجه إلى بيت زوجها، وتعرف هذه المستلزمات في قسنطينة ب”الشورة”، ومن العادة السائدة لدى أغلب العائلات حسب ما توضحه المتحدثة، هو أن الأمهات يحرصن كل الحرص على تجهيز البنت منذ أن تصل إلى سن البلوغ، فتجد أن أمها تحتفظ لها بالعديد من المستلزمات وذلك من أجل أن توفر على نفسها عندما يحين موعد زفافها، خاصة وأن ثمن شورة العروس باهظ وبالتالي تتمكن العروسة من تجهيز كامل شورتها، وعن هذا تعلق المتحدثة قائلة: “إن شورة العروس يجب أن تكون كاملة وذلك تفاديا لحديث الناس، فكلهن يسعين لجهاز ذي قيمة، حيث تأخذ العروس معها ما يكفيها من الثياب لمدة سنة حتى لا تطلب من زوجها أن يشتري لها خلال تلك المدة”. الأواني النحاسية من أهم ما تأخذه العروس من بيت أهلها ومن أهم الأشياء التي يجب أن تكون في جهاز العروس بقسنطينة كل ما يتعلق بالأفرشة، تقول السيدة فاطمة عن هذا: “إن العروس تأخذ معها في العادة فراشا من الصوف، 4 من”المطارح” والوسائد إضافة إلى الستائر والأفرشة”، وزيادة على ما سبق لاتزال الأواني النحاسية من أهم المستلزمات التي تأخذها معها العروس لتزيين بيتها، ومن أهمها الصينية والمحبس النحاسي إضافة إلى القصعة و”طفاي” يشبه مرش العطر، وعن هذه العادة تؤكد المتحدثة، أن هناك قليلا من العائلات فقط مازالت تحرص عليها في حين تخلى عنها البقية. أما عن الألبسة فتبقى “القندورة” من أهم الألبسة التقليدية التي تكون في جهاز العروس، وعادة لا يقل عدد الألبسة عن سبع “قنادر”، وكل واحدة تختلف عن الأخرى، سواء من ناحية التطريز والصنع، وحتى اللون، حيث تلبسها العروس في الأسبوع الأول من تواجدها في بيت زوجها. وكانت العروس تأخذ معها مجموعة من أدوات الزينة وأهمها الكحل العربي وما يعرف ب”الحرقوس” والصابون، قارورات العطر، إضافة إلى مختلف مواد التجميل الأخرى. “محزمة اللويز” و”خيط الروح” اكسسوارات زالت لغلاء ثمنها أما من ناحية الإكسسوارات، فيأخذ الذهب حصة الأسد، أين تجهز العروس بما يعرف ب”محزمة اللويز”، سبعة من الأساور الذهبية، “شنتوف”، “خيط الروح”، “الصخاب”، الخلخال أو ما يعرف ب“الرديف”، إضافة إلى الأقراط والسلسلة الذهبية، إلا أن بعض الإكسسوارات صارت غير مطلوبة بالنظر لغلاء ثمنها على حد قول المتحدثة. ومن مستلزمات العروس ما يجلبه لها زوجها قبل العرس، حيث يرسل لها ما يعرف ب”الجرية” التي تضم عادة الحنة بكل لوازمها، كما تضم مختلف لوازم الحمام من صابون، منشفات، زربية وحذاء الحمام، علاوة على تجهيز العروس بما لا يقل عن بدلتين من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين. حمام العروس عادة تلتزم بها الكثيرات وفي اليوم الذي يسبق العرس يتجه رجال من أهل العريس إلى بيت العروس وهم يحملون معهم الكبش، إضافة إلى كيس من الدقيق وبعض المواد الغذائية التي يستعملها أهل العروسة في تحضير وليمة العرس، وفي نفس اليوم تتهيأ العروس للعرس، أين تتجه إلى الحمام بعد أن حجزت رفقة قريباتها، حيث تخرج من بيتها وهي ترتدي الحايك وسط الزغاريد وتذهب معها قريباتها من النساء غير المتزوجات، إضافة إلى امرأة كبيرة في السن وتحمل معها كل لوازم الحمام التي حضرتها وبمجرد وصولها لباب الحمام تبدأ النسوة في الزغاريد، وقبل أن تدخل، تقوم مرافقاتها بإشعال الشموع، ومن الطقوس التي كانت تسود هو أن تقوم بعض النسوة بطلي الحنة على الجدران وترتدي الفوطة لتحممها قريباتها وهن يؤدين الأغاني وبعدها تتجه لتخلو بنفسها في بيت العروس لتكمل عملية الاستحمام لتخرج بالزغاريد، ويكون ثمن الحمام مدفوعا من طرف العريس، وبعد الحمام تقول شافية، إنه يتم جلب صينية القهوة للحاضرات رفقة الحلوى ومرش ماء الزهر الذي يرش به مختلف أنحاء الحمام، لتعود إلى بيت أهلها وتعتبر هذه الليلة لها وقع خاص عند أهل الفتاة باعتبارها آخر ليلة تقضيها معهم، حيث يقومون بدعوة الأقارب للعشاء وحضور الحنة التي تقام في آخر الليل. الحنة.. ليلة مميزة في بيت العروس القسنطينية وفي ليلة الحنة ترتدي العروس القسنطينية “قندورة القطيفة” وتضع فوق رأسها ما يعرف”بالدراية” إضافة إلى لبس حلي من الذهب ولو اضطرت إلى استعارتها، ومن طقوس وضع الحنة أن تحمل كل من قريباتها شمعة طويلة وكلهن يرتدين اللباس التقليدي “الفرقاني” وتحضر بالمناسبة صينية خاصة تحتوي على مرش نحاسي، الحليب وماء الزهر، وعادة ما تقوم إحدى النساء من أهل العريس لتضع الحنة للعروس فتبلل الحنة بالحليب الذي يعتبر رمزا لطيبة وصفاء نفس العروس إضافة إلى ماء الزهر لتكون ذات حظ وافر، ثم ترشق العروس بالتمر أو بحلوى “الدراجي” قبل أن يشكل لها قرص الحنة في كلا اليدين وتلبس قفازا في جو تملأه الزغاريد، وبعد الحناء تأتي عملية الرشق، حيث تقدم أم العريس مبلغا من المال يضاف إلى الهدية الذهبية التي يتم الاتفاق عليها مسبقا حسب ما استطاع العريس، وكانت الهدية حسب عادات أهل قسنطينة هي خيط الروح، إلا أنها زالت من عادات الكثيرين، وبانتهاء الحنة تقدم القهوة مرفقة بمختلف أنواع الحلويات التي تشتهر بها المنطقة كالقطايف، المقروط، إضافة إلى ما يأخذه أهل العريس معهم، كبعض الحلويات وأهمها “حلوة الترك”، إضافة إلى الحلويات التقليدية وأهمها “البقلاوة” وهناك من يأخذ معهم صندوقا من التمر. والأمر نفسه في يحدث في بيت العريس، حيث توضع له الحناء بعد وجبة العشاء، فبعد أن يجتمع بأقاربه وإخوانه وأصدقائه توضع الحناء للعريس في الوسطى والإبهام، كما تبلل الحنة وتوضع لمن يريد وضعها من الحضور غير المتزوجين، وفي نهاية السهرة يتجه العريس للنوم في غرفته الخاصة رفقة أحد أقاربه الذي يشاركه الغرفة. الرشق بالنقود من عادات القسنطينيين في العرس أما عن يوم العرس فتروي “شافية”، أن بيت أهل العريس يشهد حركة غير عادية، أين يستقبل زواره المحملين بالهدايا وتحضر بالمناسبة وليمة غداء أو عشاء، كما يتم تحضير موكب خاص للاتجاه إلى بيت العروس فيكون العريس من يركب السيارة المخصصة للعروس قبل أن يتولى عملية إخراجها من بيت أهلها وهي ترتدي “الحايك” وتحته لباس “الفرقاني” ليقوم بنقلها لبيته وعند نزولهما من السيارة يبدأ إطلاق البارود قبل أن يأخذ العريس زوجته إلى مجلس خصص لها فتقام الاحتفالات ومن أهم طقوسها ما يعرف ب”ضرب البندير”، المدائح والرشق بالأوراق النقدية بالنسبة لمن لم يجلب هدية ولم يقدم مالا خلال الحنة. ومن العادة أن يقوم أهل العريس بدعوة أهل العروس في اليوم السابع، حيث تحضر بالمناسبة وليمة خاصة تجمع شمل العائلتين، كما وتحرص العروس خلال أسبوعها الأول في بيت زوجها أن ترتدي لباسا مميزا وتبدأ في تقديم بعض الملابس والهدايا لأهل زوجها وأقاربه.