ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها المصالح الجزائرية في ليبيا، فقد سبق واستهدفت السفارة الجزائرية في طرابلس خلال الأيام الأولى ”للثورة” المزعومة. وقبلها قادت الدعاية المغرضة ”للثورة” حملة ضد الجزائر واتهمها الإعلام الليبي بأنها تدعم القذافي، وبأن ميليشيات جزائرية تحارب إلى جانب قواته. ولأن الجزائر وقفت ضد إسقاط نظام القذافي خوفا من فوضى السلاح ووصول التنظيمات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل إلى مخازن الأسلحة التي يخزنها القذافي في جهات عدة من التراب الليبي، استهدفت المعارضة الليبية الجزائر وقادت حربا إعلامية عليها وعلى مصالحها في ليبيا، وتعرض جزائريون إلى القتل والتعذيب وصار اسم الجزائر والجزائريين مكروها يجلب إلى صاحبه الويلات. ورغم أن الأحداث التي تلت سقوط القذافي وتعيين حكم انتقالي أثبتت صحة التخوفات التي حذرت منها الجزائر، إلا أن ”الكراهية” تجاه الجزائر والجزائريين ما زالت تميز العلاقة بين البلدين. حتى وإن فشلت الثورة هناك، وعمت الحرب الأهلية ليبيا، وصار خطر التقسيم والفوضى ميزة هذا البلد الذي تسيطر على كل شبر فيه ميليشيات مدججة بالسلاح ومتقاتلة، منعت من قيام حكم مركزي قوي ضروري لحل الأزمة الليبية. وها هي الميليشيات المتصارعة تتقاسم المواقع الحيوية، فبعضها يسيطر على المطارات وأخرى على منابع النفط وثالثة على شبكة تسويقه بطرق غير شرعية، ناهيك عن الاغتيالات والاختطافات وإعلان البعض الولاء ل”داعش”، ووصلت الفوضى حتى اختطاف رئيس الحكومة السنة الماضية، ثم إعادته إلى منصبه ساعات بعد ذلك. وقبلها قتل السفير الآمريكي في بنغازي رفقة ديبلوماسيين آخرين، العملية التي ما زالت لم تفك خيوطها إلى الآن، لكنها كانت دليلا كافيا على انفلات الوضع في هذا البلد الغني بثرواته، والذي يفتقر إلى جيش مركزي قوي كان سيكون ضروريا لمساعدة البلاد على تخطي مرحلة الفوضى التي أعقبت سقوط نظام القذافي بأقل الخسائر. فمن يستهدف الجزائر الآن في ليبيا؟ من الصعب تحديد الجهة التي تريد شرا للجزائر، حتى وإن تبنت ”داعش” المزعومة العملية التي استهدفت سفارنا أمس في طرابلس، بعد أن صارت داعش مرادفا للفوضى والكل بإمكانه استعمال توقيعها لغرض زرع الفوضى، أو المنع من إيجاد حل للوضع القائم في ليبيا، وفي هذه الحال ليست ”داعش” وحدها المستفيد، فكل من له مصلحة في ليبيا يمكنه أن يستعمل مشجب ”داعش”، سواء كانت فرنسا أو الميليشيات المتصارعة على الحكم، أو كل من لا يريد أن يكون للجزائر دور في ليبيا، وبالتالي يريد بهذه العملية إبعاد الجزائر من دور الوسيط للمساعدة على تقارب الأخوة الفرقاء، مثلما أكدت على ذلك عدة مرات، سواء الأممالمتحدة أو الاتحاد الاوربي أو حتى أمريكا، إلا فرنسا التي تريد جر الجزائر عسكريا إلى المستنقع الليبي وليس ديبلوماسيا، وهو ما رفضته وترفضه الجزائر التي رفضت منذ البداية أي تدخل عسكري خارجي في المنطقة، ولم تصغ لفرنسا التي جرّت الناتو إلى هناك لإسقاط القذافي. هذه العملية بغض النظر عن متبنيها لن تثني الجزائر عن لعب دور لحل الأزمة الليبية، والدور مهما كانت صعوبته أو تميزه بالتذبذب مثلما اتهمت بعض الأطراف الليبية، يبقى أكثر من ضروري، لأن الفوضى القائمة في ليبيا أثرت منذ سنوات على الوضع الأمني في الجزائر. فمنذ سنتين عاشت منطقة جانت على وقع أخطر عملية إرهابية في تيغنتورين منتصف جانفي 2013، حيث استعمل الإرهابيون السلاح الليبي، وتسللوا إلى المنطقة من الأراضي الليبية. كما أن التصدي للمخاطر الأمنية القادمة من ليبيا، قاد الجزائر إلى نوع من حرب استنزاف، بتركيز الآلاف من عناصر الجيش على طول الحدود، إضافة إلى التصدي لمخاطر التهريب والمخدرات والاختطافات، وإلى تمكين عناصر القاعدة في منطقة الساحل من أخطر أنواع الأسلحة، الأمر الذي أطال الأزمة الأمنية في الجزائر ومالي، وأيضا في تونس التي تعاني هي الأخرى من تسلل الجماعات الإرهابية إليها من ليبيا وما قامت به من عمليات إرهابية داخل تونس وفي الشعانبي على الحدود مع الجزائر. العملية لن تثني - قلت - الجزائر عن دورها في حل الأزمة الليبية، بل يجب أن تكثف بعدها من جهودها للإسراع بعودة الاستقرار إلى ليبيا، لأنها اليوم تشكل بؤرة خطر على الجميع وليس من مصلحة أحد استمرار تدهور الوضع الأمني هناك؟!