توقيت إعلان ما يسمى بتنظيم داعش عن جريمة قتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقا أعقب جرائم سيناء كمسلسل إرهاب مجموعة متفرعة من الجهاز السري ل”الإخوان” كانت تعرف ب”أنصار بيت المقدس”، لنفاجأ بإعلان ”داعش” المسؤولية عن إرهاب سيناء. ورغم أن جريمة مصرع الطيار نبهت العالم إلى خطورة ”دولة الخلافة”، وضرورة مواجهتها، فإن السلبيات تفوق الإيجابيات. وأهمها غياب استراتيجية فعالة لاحتواء أكبر خطر يهدد الإنسانية منذ توحد النازية والفاشية في نهاية ثلاثينات القرن الماضي والذي أدى إلى حرب عالمية ثانية. هناك خطأ في فهم المعسكر الغربي بزعامة الولاياتالمتحدة لأهداف ”داعش” وأيضا أصوله ومنبعه. ومن الصعب الاعتقاد بالعجز في هضم وإدراك حقائق ومعلومات متاحة. لكنه ”الاستعباط” أو ”الاستهبال” وادعاء عدم الفهم. أخطأ الرئيس باراك أوباما وزعماء أوروبا باعتبارهم أن ”داعش” مجرد تنظيم إرهابي يعمل بتوازٍ مع جماعات إرهابية ك”بوكو حرام” في نيجيريا وحركة الشباب في الصومال وطالبان، لإشعال فوضى عالمية. فهذه التنظيمات أعلنت انتماءها وولاءها ل”دولة الخلافة”، وهي حلم وهدف الجماعات الإسلامية منذ نهاية عشرينات القرن الماضي كبديل عن الخلافة العثمانية. تقارير خزانات التفكير ومعاهد الأبحاث الاستراتيجية وتقارير شبكات التلفزيون الغربية ترجع مولد ”داعش” (الذي جعل إرهابه ”القاعدة” تبدو كحركة معتدلة) وأصول نشأته إلى ”احتلال العراق وحرب بوش وبلير” (وهي مغالطة تاريخية بأكذوبة اليسار البريطاني والأوروبي ونفاق الليبراليين)، وأنه انشق عن ”القاعدة” عندما طردتها قوات التحالف بالتعاون مع العشائر السنية. وتمضي التقارير لإقناعنا بأن انتفاضة السوريين وعنف نظام ”البعث” في قمع الانتفاضة هو ما أدى لمولد ”داعش” في صورته الحديثة. هنا أرجح نظرية ”الاستعباط”. فالحقائق الموثقة التي لا يزال الشهود عليها أحياء يرزقون أن المنبت والمنبع ل”داعش” وأخواته هو جماعة الإخوان المسلمين وفكرها، ونظريات سيد قطب التكفيرية، وتقنينه الإرهاب كوسيلة تكتيكية في مرحلة تفكيك الدولة القومية واستبدال ”دولة الخلافة” بها. ثم تطور من عصابة إرهابية إلى دويلة كحركة كولونيالية توسعية تسيطر على المنطقة. وهنا نرى ”استعباط” أو ”استهبال” زعماء الغرب. فقبول الحقائق يناقض المشروع الأميركي الأوروبي بتمكين ما يعرفونه ب”إسلام سياسي معتدل” من السيطرة على المنطقة.. فتتعامل واشنطن ولندن وبروكسل مع قيادة موحدة للشرق الأوسط برمته. قيادة يمثلها ”الإخوان” (أو الدولة العثمانية الجيدة بمحور ”الإخوان” - إردوغان)، بدلا من لعبة التوازنات مع قوى مختلفة الاتجاهات. ولأن القوة الجديدة، مهما كانت فاشيتها وعنف القرون الوسطى لديها، ستبيع النفط للغرب وتشتري السلاح منه (وطز في حقوق الإنسان، فحقوق الإنسان اليوم هي أحجار تلقي بها الحكومات الغربية على نوافذ الصرح المصري السعودي الخليجي الذي يتصدى للإرهاب.. منظمات حقوق الإنسان العالمية تحتج على إيقاف مخالفين والحكم على داعمي الإرهاب ولا تحفل لحرق رجال الشرطة وخطفهم وتعذيبهم على يد عصابات ”الإخوان”). مئات عربات ال”بيك أب” البيضاء الجديدة المستوردة توًّا من مصانع ”تويوتا” برقائق مصفحة، والمدافع الرشاشة بعيدة المدى المركبة فوق ظهرها.. في أي ميناء نزلت هذه الشحنات؟ ومن سلمها إلى ”داعش”؟ وكيف سافرت عشرات الأميال؟ وهل الأقمار الصناعية الأميركية التي تصور كل شبر على الأرض أخذتها سنة من النوم في الأيام التي وصلت فيها الشحنات؟ ومن الذي قدم طلب الشراء لشركة ”تويوتا”؟ ومن دفع الفاتورة؟ ومن أي بنك تم التحويل؟ دولة الخلافة الجديدة يجب معاملتها كدويلة غير مشروعة لها استراتيجية استيطان كولونيالية توسعية، اغتصبت أراضي في سورياوالعراق وتحاول التوسع جنوبا نحو الأردن ونحو سيناء بالتعاون والتنسيق مع التنظيم الأم، جماعة الإخوان. إدارة أوباما ولندن وبروكسل ”تستعبط” بمعاملتها ”داعش” كتنظيم إرهابي وليس كيانا فاشيا (كإمارة طالبان في أفغانستان قبل 2003)، وعلى الأغلب ليست لديها نية في رسم استراتيجية جادة لدحر التنظيم. وسياسة الاستعباط الغربية قصرت إمداد البيشمركة الأكراد (القوة الوحيدة التي أوقفت تقدم إرهابيي ”داعش” وأجبرتهم على التراجع) على بضعة مدافع رشاشة تصلح للدفاع وليس لدحر الكيان الاستيطاني الفاشي. إطلاق فيديو قتل الطيار وأسلوب البروباغندا يقصد منه إرهاب الطيارين من البلدان الإسلامية لإيقاف الطلعات. ويبدو أن القصف الجوي أربك حسابات ”داعش” وصعب على إرهابييه التحرك في قوافل كبيرة مؤثرة في هجمات مباغتة كسقوط الموصل. وفيديو ”داعش” يقصد إرهاب أسر الطيارين. وقبلها بأسبوع واحد صدر تهديد مماثل من مذيع إخواني في قناة ”الجزيرة” موجه لزوجات وبنات رجال البوليس والأمن المصري ”أنا باحذركم.. أزواجكم، آباؤكم من ضباط البوليس هيتقتلوا.. باقولكم هيتقتلوا، هيتخطفوا، هيتسحلوا.. قولولهم ينسحبوا وما يتدخلوش لو عايزين تشوفوهم تاني”! هدف آخر من ترويج الإرهاب البشع واختطاف وسبي واغتصاب النساء وقطع الرؤوس هو سيكولوجية الإرهاب التي مارسها التتار: إرهاب القرى والمدن المستهدفة بما حل بالقرى التي سقطت في أيديهم من تدمير وقطع للرؤوس واغتصاب للنساء.. فيخضع السكان ولا يقاومون، أو يهربون ويتركون البلد. أثبت الشعب الأردني أنه أكثر وعيا وفهما للتاريخ من مثقفي بريطانيا وصناع برامج ال”بي بي سي” وكتّاب الافتتاحيات. لقد خرج الأردنيون بعفوية كصف واحد وراء قيادة ملكهم للثأر لدم الطيار. أحسن الأردن بشن الغارات خلال اليومين الماضيين. فالتعامل مع الكيان الداعشي كدويلة غير شرعية قائمة على أراضي الغير يمنح الملك عبد الله الثاني الحق القانوني، وفق المادة 51 من القانون الدولي، في إعطاء الأوامر للجيش العربي بشن غارات والقيام بعمليات عسكرية عبر الحدود مع سوريا، وإخطار دمشق فقط قبل دقائق من تنفيذ هذه العمليات. ولعل تحرك الأردن يكون حافزا لبقية الأطراف لتصعيد هجماتها على ”داعش”.