أهم رسالة التقطها الكثير ممن حضروا المؤتمر العالمي عن الإرهاب الذي تعقده هذه الأيام بمكة رابطة العالم الإسلامي، هي الحشد المتنوع للحضور، لا أعني تنوعهم الفكري والمذهبي والمهني فقط، ولكن استيعاب الدعوات لكل العاملين في الحقل الإسلامي بقطاعيه الرسمي والشعبي ولا يستثنون إلا الجماعات الإرهابية الحقيقية، كتلك التي تعيث في أرض الشام والعراق فسادا، المملكة في هذا المؤتمر الذي يرعاه الملك سلمان بن عبد العزيز عززت منهجها القديم في أن تكون مظلة حانية كبرى لكل العاملين في الحقل الإسلامي في المحاولات الجادة لإطفاء شعلة الإرهاب التي علقت بثوب المنطقة وتتمدد بسرعة، تتمدد جغرافيا وتتمدد فكريا عبر وسائل التواصل في نسختها الجديدة، لم تأبه الرابطة بالمناكفات السياسية العربية التي أفرزت حالة من الاستقطاب السياسي الشديد ومناخا موبوء لم يعد يصلح فيه التعاون بينهم في بلدانهم لمواجهة التحديات الخطرة فنقلتهم إلى المشاعر المقدسة في مكة ليستحم الجميع بطهرها من أدران الإقصاء والجفاء ورشق التهم الباطلة إلى الحوار بموضوعية وعقلانية لمحاولة علاج هذه الآفة المدمرة. ما لفت نظري أيضا في مؤتمر الرابطة وبعض المؤتمرات وورش العمل وحلقات النقاش التي تعقدها دول عربية وغربية أخرى حول الإرهاب وأسبابه ومصادره، أن تلمس الأسباب يتأثر تأثرا كبيرا بالتوجه الفكري والعقدي والسياسي وقل أن ينعتق الباحث أو المحاور من جاذبية الانتماءات، فمن كانت خصومته مع التوجهات العقدية رمى بالتهمة على المذهب، فذو المرجعية الصوفية يكيل التهمة على خصومها، ومن كانت خصومته مع التوجهات الإسلامية السياسية جعلها خلف كل خطيئة ووزر، ومن كانت خصومته مع الدين نفسه جعله مصدر الخلافات والتناقضات، وهذا ما صرح به عدد من الباحثين الغربيين بالتلميح أحيانا والتصريح أحيانا أخرى، ومن كانت خصومته مع الحكومات جعل الاستبداد والفساد والطغيان والمعتقلات والمطاردات والمحاكمات الأجواء التي تتكاثر فيها بكتيريا الإرهاب، ومصدرا للتشدد والإرهاب، ومن كانت خصومته مع الغرب ومن المسكونين بصراع الحضارات، وجه أصابع التهمة للعالم الغربي بأنه صانع الجماعات الإرهابية ومغذيها وداعمها وناخرها والمتغلغل فيها وموجهها وممكنها والمعبد لطريقها والحامي لقياداتها. والأكيد هنا أن منازلة الإرهاب والإرهابيين تتطلب الاعتراف بأن لدى هذا التوجه الضال قدرة رهيبة على التغلغل إلى عالم النشء والصغار، فمقطع واحد جرى إعداده باحترافية عالية يظهر فيه ملتح معمم يمتطي دبابة ويرفع راية التوحيد بيد مفتولة العضلات ويحمل في اليد الأخرى سلاحا مطورا، ويصرخ بسقوط إسرائيل وأميركا والدول العميلة كفيل بنسف الأعمال المحصورة في النخب العلمية والفكرية، ولهذا فإن الحاجة ماسة للمعادلة التي لا غنى عنها حتى لا يستأثروا بكعكة الشباب التي هي وقود نار الإرهاب المتأججة.