بشرنا مجلس الأمن أن عدد الجزائريين الذين التحقوا بداعش قد تراجع هذه السنة بنحو 50 عنصرا. لكن ماذا يعرف مجلس الأمن هذا عن دواعش الجزائر؟ فداعش ليست تلك التي تقاتل في سوريا والعراق، وتهدد ليبيا وتونس. فهذه ليست أخطر من داعش الجزائر التي حرقت البلاد أزيد من عشريتين، وما زالت، وما زال الجيش يقارعها كل يوم في الجبال والصحاري وفي المدن أحيانا. ربما دواعش الجزائر لم يعد يعنيهم ما يجري في سوريا والعراق، وعينهم الآن على الجزائر، في هذا الظرف العصيب التي تمر به البلاد، وقد شاهدنا في مظاهرة جانفي الماضي ردا على رسومات شارلي إيبدو والمسيرة المنددة بالإرهاب، مدى تجذر الإرهاب والتيار السلفي في الجزائر، ورأينا الرايات السوداء تجوب مدن الجزائر. صحيح لم تكن مرفوعة على سيارات طويوطا مثلما تقوم به داعش في الرقة وتدمر والموصل، لكنهم موجودون هنا، وبيننا، وحتى في بعض وسائل الإعلام وبين الصحفيين الذين يباركون ويهللون لمقتل الطيار الأردني مثلا، والأحزاب الإسلاموية التي تدين الحكم بالإعدام على مرسي (وهو يدان حقا)، ولا تدين ما تقوم به داعش من نحر للمسيحيين المصريين في ليبيا، وفي سوريا وغيرها، ثم يتحججون بأن داعش لا تمت للإسلام بصلة، لكنها لما تنشر الرعب في الشعوب وتهيئ لهم طريق الحكم يسكتون على أفعالها. داعش الجزائر التي حاربها الجيش منذ سنوات التسعينيات، لا تقل شراسة عن داعش الحالية التي وكأن العالم يكتشف بشاعتها لأول مرة، مع أن ما لحق بالجزائريين على يد شقيقتيها “الجيا” و”الميا” يفوق التصور. قد يكون المجندون في صفوف داعش إذاً في حاجة إلى الاهتمام بما قد يحدث من صراعات في هرم السلطة على الحكم، للتربص بالجزائر. والخوف كل الخوف أن تستعمل بعض الأطراف هؤلاء في هذا الصراع. فعودة التهديدات للفتيات غير المحجبات، والحملة ضد التنورات التي تقودها الجماعات الإسلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتهديد الذي طال منذ أسابيع الروائي كمال داود، والأسبوع الماضي رشيد بوجدرة، لما أعلن إلحاده وقبل أن يتراجع عن تصريحاته كلها، تصب في ما قد تؤول إليه الأوضاع الأمنية في البلاد. فالإرهابيون، التائبون منهم ومن لم يتوبوا، مثل مدني مزراق الذي خرج منذ أسابيع في إحدى القنوات مهددا، ما زالوا ثابتين على جرمهم، ولم يشفوا بعد غليلهم من الجزائريين، وما زال الحقد دفينا في صدورهم، وهم يعتقدون أنهم صاروا قاب قوسين من الانقضاض على البلاد، ويعتقدون أن البلاد على وشك الانفجار بين أجنحة السلطة، ويعتقدون أيضا أن الجيش منقسم، وأنها فرصتهم لإغراق البلاد في العنف وفتحها أمام داعش لتفعل بها ما فعلت بسوريا والعراق وما تفعله بليبيا، وما يزيدهم طمعا هو سيطرة داعش ليبيا على مناطق حيوية. كان على مجلس الأمن أن يدق ناقوس الخطر بشكل مغاير، لأن الخطر ما زال قائما وسيف داعش على رؤوسنا؟!