يروي لنا التاريخ الإسلامي أحد أهم المواقف التي ينبغي التمعن فيها بعمق ودقة وإسقاطها بحكمة على الأحداث العجيبة الحاصلة في خواصر المنطقة بشكل عاجل ومريب، والموقف المعني به هو تسلُّم خليفة المسلمين وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأول، سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ”دولةَ” المسلمين بعد وفاة الرسول الأعظم. وهي مسألة تسببت في حالة من الارتباك والصدمة والذهول غير العادية، مما دعاه إلى أن يقول مقولته المدوية: ”من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”، وهي العبارة التي كانت بمثابة ماء بارد ومكالمة إيقاظ لمن سمعها، فحصل معها تثبيت واستقرار، ولكن سرعان ما واجه الخليفة رضي الله عنه تمردًا وانقلابًا بخروج الناس على منظومة الزكاة وأعلنوا رفضهم سداد ما هو مستحق عليهم، ومرة أخرى تظهر قيادة وحسم أبي بكر الصديق رضي الله عنه في مقولة أخرى شهيرة: ”والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه”. لقد حسم أبو بكر الصديق موقفه وعرف أن موقعه لم يعد ”رسالة وتبليغًا” كما كان دور الرسول صلى الله عليه وسلم، وأدرك أن دوره هو رئيس دولة يجب أن يكون لها الهيبة والقدرة، للحفاظ على الصالح العام.. كل ذلك حدث في الفترة الأولى من ولايته. هذا هو الإسقاط المطلوب تدبره، الإرهاب والتطرف والتشدد هو مساس بالأمن والسلم العام لا يمكن التساهل ولا التعاطف مع أصحاب هذا الفكر العدواني. لقد تم التعاطي مع هذه المأساة بالصبر وحسن الظن وطول البال وسعة الصدر والحوار، ولكن سنوات طويلة مرت قبل أن تحسم بعض الدول أمرها وتطلق ”صريح العبارة” على تنظيم القاعدة وتصفه بالإرهابي، واليوم تنظيم داعش الإرهابي (الذي هو تطور طبيعي لفكر ”القاعدة” ومن هم على شاكلتهم). هيبة الدولة وسلامة مواطنيها تتطلبان البعد عن المجاملة وإزالة أي قيود فيها مجاملة وحرج من التعامل ”الكامل” مع مجرمين وإرهابيين يقتلون ويروعون، فهذا هو وصفهم الحقيقي، إذ لم يعد مفيدًا ولا مقنعًا استمرار وصفهم بفئة ”ضالة” و”غرر بهم”.. هم مجاميع إجرامية توصلوا إلى قناعات عميقة أدت إلى تنفيذ جرائمهم المرعبة في حق الأبرياء بشكل همجي ومتواصل. السلم الأهلي والأمن والاستقرار، أمور لا تقل أهمية أبدًا عن حماية الدين نفسه، بل هي في ذات المقام حينما يكون الأمر متعلقًا بصون حياة الأبرياء ومنع سفك الدماء ودرء المخاطر، والشواهد مليئة في الكتاب والسنّة والسيرة الشريفة التي تؤكد ذلك الأمر بشكل قطعي. الوقت والحسم في مواجهة الإرهاب والتشدد هما من أهم عناصر الانتصار والحسم طبعا على كل الأصعدة بلا أي جدال، فليس من المقبول التعامل مع ”المفجر المفخخ” على أنه وحده الخطر الأعظم وإغفال من يؤيد ويبارك ويدعم ويدافع ويبرر علنا وبشكل واضح وفج ويبقى في مناصبه الأكاديمية والتعليمية دون ردع أو عقاب، فهو لا يقل خطرًا أبدًا عن المنفذ الفعلي للعمل الإرهابي الإجرامي. هذه الفرق الإجرامية اختارت بملء إرادتها الذهاب في خط ترويع وتكفير المجتمع واستباحة دمائه، وبالتالي سقطت منها كل أوراق التعامل اللين والحسن وآن أوان اليد الحديدية عليهم جميعًا. أبو بكر الصديق رضي الله عنه في لحظة فارقة وتاريخية اختار أن يحارب من كانوا في جماعة المدينة وانشقوا وانقلبوا عنهم، ولم يتوانَ في حماية الدولة الجديدة والسماح بالعبث والفوضى، فكانت له النصرة والثبات والتمكين، وهذه دروس لا بد من الاعتبار منها، وما ينطبق على المرتدين وقت وزمان أبي بكر الصديق ينطبق على ”داعش” و”القاعدة” و”بيت المقدس” و”حزب الله” و”كتائب أبو الفضل العباس” وغيرهم اليوم.