الأرجح أن كثيرين منا خاضوا التجربة، أعني قول تعليق ما عبر ”تويتر” و”فيسبوك” نعتقده ظريفًا أو عابرًا، أو حتى ربما ثقيلاً بعض الشيء، لكن نفاجأ بعد ذلك بحجم ردة الفعل التي تتحول حرفيًا في بعض الأحيان إلى حملة فضح وتشهير مضاد تصل إلى حد التدمير المهني والاجتماعي… لأشرح فكرتي أجريتُ تمرينًا بسيطًا، فتابعت لنحو أسبوعين أبرز الهاشتاغات التي اقترحها عليّ ”تويتر” و”فيسبوك”. دائمًا ومن أصل عشرة اقتراحات يبرز اثنان أو ثلاثة من الهاشتاغات المقترحة هي عبارة عن وسم فيه شيء من الفضائحية أو التحقير أو السخرية بحق أشخاص بعينهم. وبقراءة سريعة للتعليقات المتداولة يظهر حجم الهجوم الحاد والشخصي الذي يلامس في كثير من الأحيان حدًا مهينًا وعنصريًا.. صحيح أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت أداة لا غنى عنها في عصرنا لقياس تغيرات ما في مزاج الرأي العام وتبدلاته وانحيازاته، إلا أنها أيضًا تبرز تلك الثقافة الآخذة في التطور، أعني لجوء كثيرين إلى وسائل التواصل الاجتماعي للفضح العام على نحو مبالغ فيه لأشخاص على الأرجح ارتكبوا أخطاء، لكن تبدو أحيانًا العقوبات أفظع من الجرم نفسه.. وهذه ليست دعوة للخوف من التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن علينا ربما إدراك كم يمكن أن يتأثر أشخاص بما نقوله ونكتبه.. وظاهرة الفضح العام عبر الإعلام الاجتماعي هي ظاهرة عالمية، لعل من أنجح ما كُتب عنها مؤلَّف عنوانه ”إذًا أنت أيضًا تم التشهير بك” وفيه يسافر الكاتب جون رانسون إلى دول مختلفة ويلتقي أشخاصًا معروفين تم التشهير بهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما أثر جذريًا في حياتهم الشخصية والمهنية. وهؤلاء أناس مثلنا يقولون ويفعلون ويمزحون على الإعلام الاجتماعي، وخرجت منهم عبارات سيئة حتمًا، لكن ما إن يقع الخطأ يجابهون بعقاب جماعي بقوة الإعصار، ويصبحون ممزقين جراء الردود الهائلة الشريرة، وفي أحيان يطردون من عملهم. يقول رانسون إننا نعيش نهضة كبيرة في التشهير والفضح الجماعي. فعلاً، فالأغلبية التي كانت صامتة قبل وسائل التواصل الاجتماعي بات لها صوت، لكن ماذا نحن فاعلون بهذا الصوت؟ يبدو أننا بتنا بلا رحمة نتصيد أخطاء الناس ونستخدم الفضح والإدانة وسيلة للسيطرة الاجتماعية أكثر مما هي وسيلة لتسليط الضوء على أخطاء نهدف إلى الإصلاح من ورائها.. فالمحاسبة على الخطأ ضرورية، لكن المشكلة أن هناك من يستدرج ردة فعل تفوق بأضعاف أحيانًا الخطأ نفسه، فهل من الحكمة اختصار شخص بخطأ بدل وضع الأمر في مجاله الأوسع. مع الإعلام الاجتماعي باتت لدينا القدرة، ولا يقلل أحد من عمق تأثير هذه الحملات، فأن يتم فضحك ومحاولة قتلك اجتماعيًا بهذه الطريقة هو أمر يستدعي التفكير بحجم القسوة التي نريد أن نمارسها، ومدى ملاءمتها كعقاب لحجم ”الجرم” مثلاً، وكيف نساوي بين شخص عام مسؤول وأشخاص أقل شأنًا، لكن مع ذلك لا نخفف من التشهير.. والحال أن وسائل التواصل الاجتماعي هنا تعيد إنتاج سلطة المجتمع بدل أن تكون وسيلة للتخفف منه، فتتحول إلى أداة ضبط عبر التلويح بالفضيحة، والفضيحة هنا هي العقاب الذي تفرضه القيم الجماعية، والذي قد يصل إلى إعدام المرء اجتماعيًا.. نعم، كلنا يشعر بشيء من الرضا حين نفضح ونشهر بأخطاء الآخرين، والأرجح فعلاً أننا انجرفنا، لكن ربما علينا أن نقدر حجم القسوة التي يمكن أن نمارسها ونحن نمارس هذا الفضح وتلك السخرية والإدانة.. هذه ليست في أي حال دعوة لوقف النقد، بل وحتى السخرية، وبالتأكيد هناك تغريدات سيئة وهناك مواقف سيئة تستدعي الكثير من الإدانة، لكن إلى أي حد يجب أن يصل إليه مستوى العقاب.. السؤال لا يدعي امتلاك الإجابة، فهذا ما نختبره يوميًا.. ديانا مقلد