هذا الشهر مخصص لحملة إعلامية دولية لمناهضة التعذيب في العالم. فعبر وسائل إعلام بديلة ومواقع إلكترونية عرضت شهادات موثقة وتحقيقات ومقالات وفيديوهات لناجين من بقاع مختلفة في محاولة لزيادة الضغط على الجهات التي تنزل هذا العنف والقسوة بأجساد كثيرين. الأصوات المناهضة والرافضة للتعذيب تسمع في كل مكان لكن مع ذلك لم تتوقف هذه الممارسات وهنا في منطقتنا العربية لا تبدو أنها إلى أفول قريب. فالتعذيب عندنا ترعاه سلطات رسمية في كثير من الأحيان. هل ننسى أن جسد الشاب خالد سعيد المنتهك حتى الموت كان من أهم بواعث ثورة مصر وأن أيدي فتية درعا السوريين الذين قلعت أظافرهم حركت الحشود في سوريا. لطالما تصاعدت أنات بعيدة من السجون العربية حتى باتت علامة فارقة لمنطقتنا. توهمنا أن صرخات مدوية انطلقت عام 2011 ستفضح المسكوت عنه في السجون العربية وفي سجون الجماعات المسلحة التي انفلتت من عقالها أيضا. لم يحدث هذا، بل زاد الموت وبات التعذيب والقتل الوحشي حاضرا بشكل يومي حتى بات مشهدا يوميا يمر أمامنا حتى بدنا نكاد نراه ونتفاعل معه. فماذا يمكن لحملة خجولة لرفض التعذيب في العالم أن تفعل. بالنسبة لنا نحن مواطنو هذا الشرق الأوسط تبدو الجهود من نوع حملات إعلامية وحقوقية لمناهضة التعذيب وفضح مرتكبيه حاجة ملحة توازي حاجتنا للهواء. فنحن ومنذ سنوات ودماء كثيرة تهرق حتى أننا نكاد نرى هذا الدم في وسائدنا وأصوات المعذبين تصم آذاننا حتى حين ننام. هاهي ”داعش” تحاول كسر الرتابة في فيديوهات قطع الرأس فتصدر أفلاما جديدة فيها الإغراق والتفجير، وهاهو لبنان يراكم من رصيده في مجال العنف الرسمي بعد ظهور فيديوهات تعذيب وضرب موقوفين في السجون اللبنانية، بينما العراق كسلطة وكجماعات مسلحة يطور عنفا دأب عليه منذ عقود. أما فيديوهات التعذيب في السجون السورية فباتت تحتاج إلى موسوعة مستقلة بذاتها. وهاهي اللطمات التي نزلت على وجه صبي سوري حتى الموت أحرقت وجوهنا جميعا والجندي الذي ضربه بوحشية قالها صراحة: ”بدي أقتلو حتى لو سرحوني من الجيش”. التسريح من الجيش السوري هو العقوبة الأقصى التي يمكن لمعذب طفل وقاتله أن يناله، بل إن الجندي الذي ظهر في الفيديو لم يكن جازما بأنه سيعاقب على تعذيب طفل وقتله.. في الحقيقة معظم ممارسي التعذيب يفلتون من العقاب إن عوقبوا أصلا. لكن ليس من يمارس التعذيب يقع وحده ضمن دائرة التوحش هذه فهناك اليوم الكثير من المصفقين. جماهيرنا لا تجمع على رفض التعذيب فهي تنقسم وتستنكر بحسب هوية المعذِب والمعذَب. نحن في لبنان اختلفنا الأسبوع الماضي على شريط تعذيب موقوفين إسلاميين. بحسب كثيرين فإن هؤلاء دواعش يستحقون ما أنزل بهم من ضرب وأذى.. نجد ذلك الموقف يتكرر في مصر وسورياوالعراق واليمن وأماكن أخرى بحسب هوية الأطراف. الموقف من إنزال الإهانة والألم والإذلال بجسد الخصم أمر غير محسوم. هويته تحدد موقفنا من انتهاك جسده بل والاحتفاء ربما بصراخه وألمه. واليوم بات لهذا الاحتفاء بعده البصري الاحتفالي حتى باتت فيديوهات التعذيب والقتل أشبه ببورنوغرافيا دموية. نحن أمام جماعات وأنظمة وميلشيات مسلحة تربت وتتربى في هذه الشراسة. أمام هذا تبدو الدعوة لمناهضة التعذيب أمرا ليس ذا بال بل هي ترف يرد عليه البعض بابتسامة ساخرة. أمامنا حاجات وعوائق قبل أن نستوعب مدى حاجتنا لرفض قتل الآخر وإهانته وإيلامه حتى ولو كان مذنبا وسنجد دائما ذريعة تبرر لنا قبولنا بهذا الانتهاك. الأرجح أننا ليس فقط دخلنا الرحى بل نحن في قلبها ولن نعرف سريعا كيف نخرج منها.