لكل الشعوب حقها في أن تحلم بحاضر جميل ومستقبل أجمل وأفضل، وهذا حق بسيط وهدف مشروع لكل شعوب الأرض، من دون استثناء. والشعب السعودي ليس استثناء عن ذلك. ويبدو هذا الكلام عقلانيًا ومتوقعًا ومنطقيًا جدًا في بلد تشكل فئة الشباب فيه الشريحة الأكبر والأهم. وهي الفئة التي تشكل بالتدريج شكل ورؤية هذا البلد ومستقبله وتوجهه. السعوديون كانوا يتأملون في مشاهد مصورة ومعبرة.. البوصلة التي ستتحكم في اتجاهات الشباب وحراكهم، فمع تعدد العمليات الانتحارية الإرهابية التي حصلت مؤخرًا في بيوت الله، آخر أربع عمليات نفذت من قبل تنظيم داعش في مساجد الله، اثنتان منها في المنطقة الشرقية وواحدة في الكويت والأخيرة في أبها، كلها قام بها سعوديون في مقتبل العمر. وكذلك قوائم الإرهابيين المطلوبين تظهر صورًا لشباب في مقتبل العمر، نظرات عيونهم فيها خليط عجيب لا يمكن نسيانه من الغضب والضياع. أرتال من الشباب الذي شرب من كأس الإرهاب وأصبح حطبًا لوقود نارها، ومشهد جثث الأبرياء من الشباب الذين راحوا ضحية هذه الأعمال الإرهابية، ومشاهد دموع وأحزان أهاليهم من هول الذهول والصدمة. وهناك مشهد آخر تم تداوله منذ أيام لشاب سعودي آخر هو حسام زواوي وهو مبتعث متفوق، أبهر جامعته في أستراليا مما جعل مجلة ”تايم” العالمية تختاره كأحد أهم علماء المستقبل الواعد في مجاله البحثي النادر والذي سيكون له أثر مهم في قطاعات الطب والصيدلة. وفخر جامعته به جعلها تضع صورته على إحدى لوحات الطرق العملاقة على الشوارع السريعة لتحفيز الطلاب والمتبرعين والمجتمع على دعم برامج الجامعة. الفجوة عظيمة وهائلة بين المشاهد واللقطات. هناك كابوس سعودي تفاصيله التشدد والتنطع والتضييق والغلظة والإرهاب، وهناك حلم تفاصيله جد وعمل ومثابرة وتحدٍ وإصرار وإبهار وتفوق وتميز. لم يعد هناك من خيار إلا المواجهة الجادة الحقيقية مع كيانات التطرف، لقد أصبحت المسألة حياة أو موتا ومسألة وجود في حد ذاتها. برنامج المناصحة بحاجة لإعادة هيكلة جوهرية وأساسية، الخطاب الديني بحاجة لمراجعة وإزالة الغث المسموح فيه الذي يقود إلى الكابوس الذي نعيشه. فتح المجال أمام الخيارات الأخرى لذائقة الشباب من فنون ورياضة وعلوم وآداب وسياحة وثقافة حتى تتسع فكرة قبول الآخر وتزداد قدرات التدبر والتفكير والاطلاع، وتقل فرص السيطرة وغسيل الأدمغة كما هو حاصل الآن مع شريحة غير بسيطة منهم. ثقافة الحلم يجب أن تسيطر وتطغى لا ثقافة الكابوس الدموية. ثقافة الحلم بحاجة لمناخ جديد فيه الإحساس الكامل بالمواطنة حقوقًا وواجبات، نظام تعليمي يحقق ”الطموح” المكتسب ويوفر أدوات الوصول للحلم المنشود، وبدلا من ”حصر” الحلم في مشهد بعينه، يدعم ذلك حقوق وقوانين وأنظمة تكفل المساواة والعدالة لفرص العمل والتدريب والتوظيف والترقيات والابتعاث. هذه هي متطلبات ثقافة الحلم والتي لا خيار لشباب السعودية عنها، فثقافة الكابوس أنهكتنا بما فيه الكفاية ومن حقنا أن نحلم مجددًا باطمئنان.