الجزائر تودع ملف تسجيل "فن تزيين بالحلي الفضي المينائي اللباس النسوي لمنطقة القبائل" لدى اليونسكو    ربع النهائي كأس الكونفدرالية الافريقية/النادي الرياضي القسنطيني-اتحاد العاصمة (1-1): الحلم متاح لكلا الفريقين    الجيش يسقط طائرة من دون طيار مسلحة اخترقت الحدود الوطنية    حشيشي يتفقّد الميناء النّفطي بالعاصمة    تأكيد على روح المسؤولية    التموين المنتظم للسوق واستمرارية الأنشطة التجارية    استشهاد 22 نازحا في قصف صهيوني لعيادة "الأونروا" شمال غزة    مشاورات مغلقة حول تطورات قضية الصحراء الغربية    الجزائر تطلب اجتماعا طارئا لمجلس الأمن    مجلس الأمن الدولي: الجزائر تدعو إلى فتح تحقيق بشأن الجرائم الصهيونية المرتكبة ضد عمال الإغاثة    اللجنة الصحراوية لحقوق الإنسان تدعو الصليب الأحمر الدولي للتحرك العاجل لحماية المدنيين والمعتقلين    عرض تجربة الجزائر في التمكين للشباب بقمّة أديس أبابا    بن يحيى يتحسر ويَعد الأنصار بالتدارك في لقاء العودة    شتوتغارت الألماني يصرّ على ضم إبراهيم مازة    بلومي يستأنف العمل مع نادي هال سيتي الإنجليزي    كأس الكونفدرالية الإفريقية: تعادل شباب قسنطينة واتحاد الجزائر (1-1)    برنامج خاص لتزويد 14 ألف زبون بالكهرباء في غرداية    تنافس كبير بين حفظة كتاب الله    تضامن وتكافل يجمع العائلات الشاوية    مرصد المجتمع المدني يخصص يومين للاستقبال    حضور عالمي وفنزويلا ضيف شرف    "تاجماعت" والاغنية الثورية في الشبكة الرمضانية    فتح باب المشاركة    عيد الفطر: التزام شبه كامل للتجار بالمداومة وضرورة استئناف النشاط غدا الخميس    بداري يشارك في اجتماع اللجنة التوجيهية الإفريقية للذكاء    تيبازة: توافد كبير للزوار على مواقع الترفيه والسياحة خلال أيام العيد    الجمعية الوطنية للتجار تدعو إلى استئناف النشاط بعد عطلة العيد    حيداوي يشارك في قمة قيادات الشباب الإفريقي بأديس أبابا    الفريق أول السعيد شنقريحة يترأس مراسم حفل تقديم تهاني عيد الفطر المبارك    الاحتلال الصهيوني يواصل عدوانه على مدينة جنين ومخيمها لليوم ال72 على التوالي    المؤسسات الصغيرة والمتوسطة: الصندوق الجزائري للاستثمار يسعى للتعريف برأس المال الاستثماري عبر البنوك وغرف التجارة    إحباط محاولات إدخال أكثر من 6 قناطير من الكيف المعالج عبر الحدود مع المغرب    مهرجان برج بن عزوز السنوي للفروسية والبارود: استعراضات بهيجة للخيالة في فعاليات الطبعة الرابعة    بتكليف من رئيس الجمهورية, وزيرا الصحة والمجاهدين يشاركان ببرلين في القمة العالمية الثالثة للإعاقة    رابطة أبطال إفريقيا/مولودية الجزائر- أورلوندو بيراتس 0-1: ''العميد'' يتعثر داخل الديار    عيد الفطر: الجمعية الوطنية للتجار تشيد بالتزام المهنيين ببرنامج المداومة    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 50399 شهيدا و114583 جريحا    مزيان وسيدي السعيد يهنئان أسرة الصحافة الوطنية بمناسبة عيد الفطر المبارك    وهران..مولوجي تتقاسم فرحة العيد مع أطفال مرضى السرطان والمسنين    سونلغاز: نحو ربط 10 آلاف مستثمرة فلاحية بالشبكة الكهربائية في    المناوبة أيام العيد...التزام مهني, ضمانا لاستمرارية الخدمة العمومية    "الكسكسي, جذور وألوان الجزائر", إصدار جديد لياسمينة سلام    مسجد الأمير عبد القادر بقسنطينة .. منارة إيمانية و علمية تزداد إشعاعا في ليالي رمضان    الفلسطينيون يتشبّثون بأرضهم    الشباب يتأهّل    فيغولي.. وداعاً    إشادة بدعم الرئيس جهود قطاعه خدمة لكتاب الله الكريم وقرائه    غضب جماهيري في سطيف وشباب بلوزداد يكمل عقد المتأهلين..مفاجآت مدوية في كأس الجزائر    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    فتاوى : الجمع بين نية القضاء وصيام ست من شوال    توجيهات وزير الصحة لمدراء القطاع : ضمان الجاهزية القصوى للمرافق الصحية خلال أيام عيد الفطر    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    6288 سرير جديد تعزّز قطاع الصحة هذا العام    أعيادنا بين العادة والعبادة    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال غدا السبت (وزارة)    صحة : السيد سايحي يترأس اجتماعا لضمان استمرارية الخدمات الصحية خلال أيام عيد الفطر    قطاع الصحة يتعزز بأزيد من 6000 سرير خلال السداسي الأول من السنة الجارية    رفع مستوى التنسيق لخدمة الحجّاج والمعتمرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدرسة بين التعليم والإيديولوجيا
نشر في الفجر يوم 26 - 08 - 2015

إن المدرسة التي أصبحت حديث الرأي العام الجزائري تستدعي وعيا بواقعها والحفاظ على غاياتها العلمية والمعرفية، بعيدا عن الغرائز السياسية والإيديولوجية، أو حتى للتجارب النظرية غير الناضجة أو غير المجمع على صحّتها، لأن الخطأ في خياراتنا التعليمية مُكلف في حياتنا الاجتماعية والوطنية، ولا أحد يقول إن التعليم في الجزائر بخير وحقق أهدافه، ماعدا على مستوى البنية التحية، وسعة الاستقبال، حيث استطاعت الجزائر توفير هياكل المؤسسات التعليمية والجامعية، التي تسع جموع التلاميذ والطلبة، في ظل استمرارها في ديمقراطية التعليم هذا الاستمرار الإيجابي، حيث يجد مئات الآلاف من التلاميذ الفقراء مقاعدهم البيداغوجية، أين ينتمون إلى مؤسسات تعليمية، بشكل مجاني، أما على مستوى التحصيل المعرفي والبيداغوجي، فيكاد الجزائريون يُجمعون على فشل المدرسة والجامعة الجزائرية على الاستمرار في الحفاظ على المستوى المطلوب أو ترقيته، فمع مرور السنوات يتبيّن إن الأجيال لم تنل حظها المعرفي المناسب لشهادات المستويات التي وصلت إليها ومواكبة التحديات العلمية نتيجة:
أولا: تحوّل ديمقراطية التعليم إلى نمط شعبوي، ليس من حيث حق التعليم للجميع، كما كان، ولكن بانتقاله إلى حق النجاح للجميع، فتعمل الوصاية من خلاله إلى سياسة كمّية، لاستيعاب آلاف الشباب في نمط تعليمي، يوفر لهم البقاء والانتماء إليه، فأصبح الطالب الجزائري يعرف أن من دخل المدرسة الجزائرية فهو آمن، ومن دخل الجامعة فهو آمن، ومما كرّس هذا التوجه، سنوات من عمل الوصاية التي اعتمدت على نفخ أرقام النجاح المدرسي بوصفها علامات نجاح الوصاية، فانتقلت مثلا شهادة البكالوريا إلى نسب خيالية، كما كرّست نمط امتحانات يرتكز على التقويم، وهي نقاط إضافية مزوّرة لصالح التلاميذ، تُنقذهم من تعثرهم في امتحانات الوزارة، وسنوات من فلسفة الكمّ، ودفع التلاميذ إلى الأمام بأقل الجهد، إلى الجامعة حيث يجدون نمطا تعليميا يخدم كذلك هذا التوجه، فالكل يدرس والكل ينجح، وهذا لا يخدم فلسفة التعليم في الانضباط والصرامة، والاعتماد على الكيف من خلال الجهد والتنافس.
ثانيا: اعتمدت برامج ومناهج بدل أن ترفع المتمدرس إلى مستوى أعلى، نزلت إليه، فجاءت البرامج والمناهج مهلهلة، بالاعتماد على البسيط والسهل، يمكن أن نلتمس ذلك من خلال النصوص البديلة التي اعتمدت في الاصطلاحات، بعضها يثير السخرية لأنه من شبكة الأنترنت، فانتشرت في البرامج الجديدة، نصوص ركيكة، ومواضيع سطحية، تزامن ذلك مع تخلي الوزارة عن التكوين، بفعل التعامل المباشر مع خريجي الجامعات، الذين لم تتوفر لهم فرصة التكوين على طرق التدريس، إلى جانب فقدانهم للكفاءة المعرفية المطلوبة، ولم نستفد من توفير الوسائل المناسبة لتدريس المواد، حيث كانت السبورة الوسيلة التعليمية لكل المقاييس، مع ما يتطلبه خصوصية تدريس اللغات أو النشاطات العلمية إلى وسائل خاصة، كل هذا ساهم في نقص التحصيل المعرفي، خصوصا في التعليم الابتدائي.
ثالثا: تركيز القائمين على المدرسة، وجماعات الضغط في المجتمع أو النقابات على مسائل إيديولوجية، تتعلّق بالهويّة، فطبقنا التعريب بطريقة عصفت بالتفتح على اللغات، وطبقنا تعليم الفرنسية بطريقة عصفت باللغة التكنولوجية مثل الإنجليزية، وعصفت بترقية العربية، ولم نهتم بحاجياتنا العلمية، فأثقلنا البرامج بمقاييس متعدّدة لتلميذ بدل أن نفكر كيف نعلمه المعارف والكفاءات، فكرنا أكثر كيف نحوله إلى فأر تجارب لنظريات متلاحقة، المواطن الذي نريد، فأثقلنا التلميذ بكل شيء، دون أن يتمكن من شيء، ودون أن نوفر شروط نجاح لمثل تلك النظريات.
رابعا: الوضعية المزرية للمدرسة الابتدائية تحت وصاية البلديات، وبمجرد أن تقول البلدية يفهم الجزائريون، حالة المدارس التي تفتقد إلى أي مظهر مؤسساتي، أول المدرسة الابتدائية تعاني من مشاكل هيكلية و إدارية و على مستوى المورد المالي... أثّر على أدائها التعليمي، وهذا كذلك يحتاج إلى قرار حكومي، يُنهي زواج المتعة بين المدرسة والبلدية.
وإذا أردنا أن نحدّد مجموعة من الاقتراحات للخروج من هذه الوضعية بعيدا عن التفكير الإيديولوجي، حول مستقبل أبنائنا، وبعد صدمة اقتراحات ندوة الوزارة الأخيرة، حيث يظهر أن أولئك الخبراء لم يختلطوا بميدان وواقع المدرسة، وإلا ما معنى أن يُقترح التعليم بالعامية في ظل واقع مدرسة أصلا تُعلم بالعاميّة، بفعل ما وصلت إليه من تدهور تعليمي، فالتوصية بناء على الواقع كان يمكن أن تكون معكوسة، وهو منع التدريس بالعامية بسبب نتائجها الكارثية، فالعربية بالدارجة والفرنسية بالدارجة، والتواصل بين الأستاذ والتلميذ بلغة الأم، فعوض أن نخرج التلميذ من عالم ماما، ليواجه الحياة، ويمتلك كفاءات جديدة على مستوى اللغة وعلى مستوى الممارسات المعرفية، تركناه متواضعا في آفاقه المعرفية، ومن أهم تلك الاقتراحات:
اولا: فك الارتباط بين المدرسة والبلدية، وتوفير الإطار الإداري والاقتصادي للمدرسة كباقي المؤسسات التعليمية، ولو عن طريق الانتماء إلى المأمن مؤقتا، وهذا مدخل مهم لأي إصلاح، لأنه لا إصلاح في ظل غياب مفهوم المؤسسة عن المدرسة، وبقائها رهينة وضعية فرقة العمل البلدية.
ثانيا: العودة إلى فلسفة الصرامة والكيف للمدرسة الجزائرية، من حيث بناء نظام الامتحانات والانتقال ونيل الشهادات، والتخلي نهائيا على نمط نقاط التقويم المزوّرة والمنتفخة في أغلب المدارس التي تضع مخارج لانتقال التلميذ بغض النظر عن تحصيله العلمي، وبدل أن يكون التكوين المهني فعال، أو الدراسة عن بعد، وغيرها من الآليات لاستقطاب أمثال هؤلاء غير القادرين على مسايرة النمط التعليمي النظامي، نصرّ أن تتحمل المدرسة كل التلاميذ كل الوقت، وهذا يعود على المستوى التحصيلي، والسلوك التربوي في المؤسسات.
ثالثا: إعادة صياغة البرامج بطريقة علمية رصينة، وتخفيفها من خلال:
- تخفيف الدروس المحذوفة التي لازالت باقية؟؟
- دمج بعض المواد المتقاربة ذات الغايات المتشابهة، مثل التربية المدنية مع التربية الإسلامية بوصفهما يهدفان إلى المواطن الصالح، والتاريخ والجغرافيا، لأنهما خصوصا في الابتدائي يتمحوران حول الجزائر تاريخا وحغرافية، اعتماد مقياس فني واحد لكل الفنون، وهذا يعطي برامج مخففة، تسمح للتلميذ بتحصيل معرفي في نشاطات مهمة كاللغة والرياضيات وبناء وضعيات إدماجية تعطي للمتعلم بناء كفاءته، فيحل إشكاليات مطروحة، مثل وزن المحافظ، والتشتت المعرفي بين مقاييس كثيرة ومتداخلة.
ثالثا: وضع طرق ووسائل خاصة للتدريس حسب الكفاءة المستهدفة، فتدريس اللغات مثلا واللغة العربية ما دام الجدل حول قضية اللغة، فإن تدريس اللغة لا يتم عن طريق السبورة، بل لا بد من تحديث الطرق باستغلال وسائل تواصلية تمكن المتمدرس من امتلاك اللغة، وهذا أمر معروف، لأن مسألة اللغة هي مسالة تكتسب بالتداول وليس بالتلقين النظري، وهذا أحد أهم الاختلالات في تعلم اللغات، فالتلميذ لم يستطع التمكن من الفرنسية أو غيرها عن طريق السبورة، في ظل محيطه، والعربية لن ترتقي بهكذا طريقة، حتى باستخدام لغة شارع وسيطة، بل هذه اللغة الوسيطة، لغة الأم أو الشارع، أحد أسباب التدهور في التحصيل اللغوي عربية أو غير عربية، ونخرج من أدلجة مسالة اللغة، لأننا في عصر معرفة أي لغة هو إضافة للمتعلم، نتعامل مع اللغة تعاملا حضاريا، ضمن محيطنا العربي و المتوسطي والعالمي، فلا نتقوقع باسم التعريب، ولا ننسلخ باسم التفتح، ولا نحول المدارس إلى شوارع باسم لغة الأم، لأن غاية التعليم هي اكتساب علوم ومعارف للإبداع ومواجهة التحديات الحياتية والمتطلبات الاجتماعية، تفوق بكثير السلوكات اليومية التي تكفيها لغة الحياة اليومية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.