بعيدا عن البلبلة التي أثارتها حادثة تفتيش وزير الإعلام في مطار أورلي، إعلاميا وعلى مواقع التواصل الإجتماعي، فإنه لأول مرة تتصرف السلطات الجزائرية بصواب وها هي تجبر الخارجية الفرنسية على التوضيح، وإن كان من المفروض أن يكون اعتذارا وليس توضيحا ووعودا بعدم تكرار مثل هذه التصرفات مع شخصيات أجنبية أخرى. فلأول مرة يستدعى السفير الفرنسي ويبلغ رفض الجزائر هذا النوع من المعاملة مع مسؤول سامي والفضل في هذا يرجع لڤرين الذي لم يسكت على الإهانة وبلغ وسائل الإعلام بذلك، بينما امتثل قبله زملاء له لأوامر ”صعاليك” مطار أورلي دون أدنى مقاومة، وكان من المفروض ألا يسكتوا ولو أنهم أثاروا ضجة لما تكررت ”الإهانة” ثلاث مرات، وربما أكثر، لأن هناك من ”بلعها” وسكت خوفا من الفضيحة. لم تعتذر الخارجية الفرنسية، قلت، على إهانة الوزير، ولن تعتذر، لأننا لم نتعود على فرض إحترامنا من الآخرين، وخاصة فرنسا التي تدين لنا بقائمة من الإعتذارات منذ قرابة القرنين، لكنها لن تفعل، لأنه لا توجد في المقابل جهة تفرض عليها هذا. ولا داعي لتكرار الحديث عن مطالبة فرنسا بالاعتراف والإعتذار عن جرائمها الاستعمارية، فليس هناك صوت بالقوة ليفتك هذا الحق. لكن لماذا يحجون كلهم هناك؟ أليست أرض اللّه واسعة؟ لماذا تسيطر علينا دائما عقدة ستوكهلوم، أين تعشق الضحية جلادها؟ ما يحز في النفس، أنه رغم أننا سلمنا مصير البلاد كلها ومفاتيحها لفرنسا، وفضلنها على كل الشركاء الآخرين، إلا أن هناك دائما في الضفة الأخرى من يتعمد إهانتنا وإذلالنا وتذكيرنا أنهم دائما الأسياد ونحن العبيد، والخطأ خطؤنا نحن من لم نقيم أنفسنا. من أيام زارتنا وزيرة البيئة ”سيغولان روايال” واستقبلت بحفاوة منقطعة النظير، ليس فقط من طرف السلطات الرسمية، بل تداولت مواقع التواصل الإجتماعي لأيام صورها وهي تجلس قبالة البريد المركزي تحتسي كأسا من الشاي والمارة يتقدمون منها ويحيونها باحترام. لا أقول أن سيغولان لا تستحق ذلك، فيكفي أنها قزّمت مرشحا في رئاسيات 2007 اسمه نيكولا ساركوزي وخرجت كبيرة من برنامج المقابلة، ولولا أن الفرنسيين ما زالوا لم يتحرروا من عقدة الخوف من أن تحكمهم امرأة لكانت هي الرئيسة. لن أقول عاملوا الوزراء الفرنسيين بالمثل، فالإهانة تعود قبل كل شيء على من اقترفها وليس على الضحية. ولكن ”ديرو شوية قيمة لأنفسكم” على حد التعبير الشعبي، لأننا لن نجبر الآخرين على تغيير نظرتهم لنا، ما لم نغير نظرتنا لأنفسنا، وللأسف لم تعرف الجزائر، منذ بومدين، مسؤولا سياسيا أدار بظهره إلى فرنسا طوال فترة حكمه ولم تطأ قدماه ترابها، ولم يرد حتى على زيارة الرئيس الأسبق ”جيسكار ديستان” رغم الدعوات المتكررة، حتى بن بلة نفسه لم يزر فرنسا كرئيس. فهل انطفأت في قلوبنا نحن جيل الاستقلال ”شعلة الحرية والكرامة؟” أين نحن من مقولة ”العزة والكرامة وارفع رأسك يا أبا”، التي رددها الرئيس أيام حكمه الأولى؟!