شئنا أم أبينا، نجح فلاديمير بوتين في فرض روسيا لاعباً أساسياً في حل الأزمة السورية. خرج الحل بالكامل من يد القوى الغربية، وخصوصاً الولاياتالمتحدة، التي لم تستطع على مدى السنوات الأربع الماضية أن تفرض شروطها لإخراج بشار الأسد من الحكم، لا عن طريق الديبلوماسية، التي عطلتها موسكو في مجلس الأمن، ولا عن طريق المواجهة المسلحة من خلال دعم المعارضة، وهو دعم بقي هزيلاً على كل حال، ورد عليه نظام الأسد بالإمعان بمزيد من التدمير والقتل. الحوار الدولي الجاري الآن في شأن مصير سورية ومستقبل بشار الأسد يمر بالضرورة عبر موسكو. عبء اللاجئين القادمين بمعظمهم من سورية كما من دول أخرى، أصبح عبئاً كبيراً على القارة الاوروبية، التي اكتشفت فجأة أن سورية تقيم قريباً من حدودها. ومثله توسع نشاط التنظيمات الإرهابية في سورية الذي أصبح هو أيضاً مصدر قلق للأمن الاوروبي. وجد بوتين أن القلق الدولي من تفاقم الأزمة السورية يفتح له باباً يدخل منه ليفرض الشراكة الروسية في البحث عن حل. هذه هي الرسالة التي أراد أن يبعثها من خلال صورة الزيارة الليلية لبشار الأسد إلى موسكو: مصير الأسد في يدي. وإذا أردتم التفاوض على هذا المصير أو البحث عن مخارج، فالعنوان معروف، وهو الكرملين في موسكو. طبعاً يمكن أن يقال الكثير عن المشهد المحزن للرئيس السوري في غرفة الاستجواب تلك في الكرملين، وحيداً بين كبار المسؤولين الروس الذين أصبحوا يملكون قرار إبقائه في الحكم. كما يمكن أن يقال الكثير أيضاً عن لقاء فيينا بين وزراء الخارجية الاميركي والروسي والسعودي والتركي، الذي عقد خصيصاً للبحث في مصير الأسد، فيما هو أبرز الغائبين عن الطاولة. غير أن ما يثير الشفقة أكثر من هذا كله، أن الأسد لا يزال يجد عبارات: سيادة سورية ووحدة أراضيها، وضرورة أن يقرر الشعب السوري بنفسه مصير قيادته، صالحة للاستخدام، فيما العالم كله يبحث مستقبل سورية ومصير قيادتها وطبيعة الحكم فيها، في غياب الشعب السوري والمسؤولين المفترضين عنه. بوتين شريك أساسي في الحل السوري. صحيح. لكنّ المتفاوضين مع موسكو حول هذا الحل، من عرب وغربيين، يدركون أيضاً أن هناك ”ثمناً” لهذه الشراكة لا بد من دفعه، وخصوصاً إذا كانت للروس اليد الكبرى في تقرير مصير الأسد، الذي أصبح إبعاده مخرجاً لا بد منه للتوصل إلى حل. ولا بد أن السؤال الذي يتداوله المسؤولون والمعنيون بالتفاوض مع موسكو يتعلق بالوسيلة التي يمكن بها إقناع القيادة الروسية بالتفاهم على صيغة تنهي الأزمة السورية وتحفظ مصالح الجميع، بمن فيهم موسكو، من دون أن تؤدي إلى تقسيم فعلي لسورية أو سيطرة كاملة للتنظيمات الإرهابية. وما توحي به التصريحات الغامضة التي خرجت حتى الآن، سواء عن اجتماع فيينا، أو عن الاستجواب الليلي لبشار في الكرملين، أن هناك تقدماً على هذا الطريق، أوضح مساره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بحديثه عن استعداد موسكو لدعم المعارضة المعتدلة، وهو ما يختلف عن مواقف سابقة تعتبر كل معارضي الأسد ”إرهابيين”، والموافقة على إجراء انتخابات نيابية ورئاسية جديدة في سورية، ما يعني أن موسكو لا تتبنى نظرية ”شرعية الأسد” بنتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجراها العام الماضي، ويفترض أن تبقيه في الحكم لسبع سنوات. أما من الجانب الاميركي، فقد كان مثيراً للانتباه وصف الوزير جون كيري اجتماع فيينا ب ”البناء والمثمر الذي نجح في الخروج ببعض الأفكار التي لن أكشف عنها”، واستعداده للموافقة على مشاركة ايران في المفاوضات المنتظرة الأسبوع المقبل، وهو ما رفضته واشنطن سابقاً تجاوباً مع رغبة حلفائها العرب، ويمكن أن يعتبر التراجع عن هذا الرفض اليوم إرضاء أيضاً لموسكو، التي تعتبر طهران طرفاً ضرورياً للحل. ربما كان من التسرع الحديث عن ايجابيات على طريق التسوية في سورية بعد المساعي الكثيرة الفاشلة والخيبات المتكررة، غير أن الأكيد أن لا تسرع في القول أن بشار الأسد صار خارج صورة المستقبل السوري، سواء كان ذلك غداً أو بعد غد.