سنوات بعد إستقالة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولين باول، الذي إستقال معتذرا عن فضيحة التغرير به في عملية غزو العراق، وتبين أنه لا توجد هناك أسلحة دمار شامل التي اتخذها بوش ذريعة!! خرج رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، هو الآخر معتذرا عن ما أسماه بالأخطاء الفادحة المقترفة في غزو العراق. بلير قال في لقاء له خلال شريط وثائقي بثته قناة ”سي أن أن” أمس الأحد، أن المشاركة في غزو العراق سنة 2003 إلى جانب أمريكا حملت أخطاء فادحة في التخطيط، وسوء تقدير لما يحدث بعد إسقاط النظام، وأن من شاركوا في غزو العراق وقتها يتحملون مسؤولية ما يحدث الآن سنة 2015 في هذا البلد، وأن إسقاط نظام صدام هو الذي أدى إلى ظهور داعش!! اعتذار متأخر، بل مرفوض من الأساس، فما نفع اعتذار أو اعتراف بالمسؤولية، إذا كانت الأخطاء جسيمة وبحجم تدمير بلد وقتل قرابة المليون عراقي، وتدمير بنيته التحتية وجعله أرض مفتوحة أمام كل المغامرين وعلى رأسها التنظيم الدموي داعش. ما نفع ندم لا يعيد إلى الموصل مكتباتها وإلى الايزيديات شرفهن وإلى نينوى آثارها التاريخية، وإلى أطفال العراق الحق في الحياة والأمن والغذاء!! لم يقل بلير إنه كان تابعا أعمى إلى الرئيس الأمريكي المتهور وقتها، والذي كان هو الآخر بدوره تابعا أعمى لقطب الصهيونية المسمى ”بول وولفوفيتس” الذي كان نائبا لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد، والذي وجد من أحداث 11 / 9 الفرصة لضرب العراق، وسعى بكل ما يمتلك من قوة إقناع إلى إيجاد رابط بين ”غزوة واشنطن ونيويورك” مثلما سمتها القاعدة فيما بعد، وبين عراق صدام حسين، وهو الموقف الذي تبناه بوش الابن، وراح يطلب من مستشاره ريتشارد كلارك أن يجد له دليلا على ذلك، قائلا له ”ابحث، ابحث بأقصى سرعة وبأي شكل من الأشكال، أن تجد أن صدام هو من فعل هذا”. وهو الكلام الذي نقله عنه حرفيا كلارك في كتابه (ضد كل الأعداء، داخل حرب أمريكا على الإرهاب). طبعا، أمريكا بوش، لم تشرح لحلفائها الخلفية الحقيقية لغزو العراق، حيث اكتفى بوش يقول ”كل من ليس معنا فهو ضدنا”، ولم يكن في وسع التمليذ بلير أن يكون ضد أسياده في البيت الأبيض، فانساق في حرب لم يحسب لها حسابا، إلى أن دفعت بلاده هي الأخرى ثمنها في أحداث 7 / 7 / 2005 في الهجوم الذي شنته القاعدة على ميترو لندن، العملية التي خلفت أزيد من 100 قتيل ومثلها من الجرحى. بلير يقول إنه يجد الآن من الصعب الاعتذار عن غزو العراق وإسقاط صدام، لكن من طلب منه الاعتذار؟ ومن يضمن أنهم لن يكرروا مآسي أخرى، ألم توافق بريطانيا على غزو ليبيا، وأن كامرون ما زال هو الآخر يتآمر على نظام الأسد في سوريا، ويردد من حين إلى آخر أن لا حل ببقاء الأسد؟! فهل يحمي اعتراف بلير، الذي سبق وقال إنه كان سيدفع ببريطانيا للمشاركة في الحرب على العراق حتى لو أنه ثبت أن صدام لا يمتلك أسلحة الدمار الشامل. هل سيحميه من تبعات نتائج لجنة ”شيلكوت” التي نصبها خلفه براون سنة 2009 لتقييم مشاركة بريطانيا في هذه الحرب؟!