أعلنت إيران رسميا أمس، أنها ستقاطع مراسيم الحج لهذه السنة، حسب ما أفصح عنه وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني، الذي قال ”من غير الممكن أداء مناسك الحج هذا العام بالنسبة للحجاج الإيرانيين بسبب سلوك وحديث المسؤولين السعوديين مع الوفد الإيراني ووضع العقبات والعراقيل أمام الحجاج الإيرانيين”. قرار صائب من إيران، وهو أحسن رد على المملكة بعد الأحداث التي شهدتها البقاع المقدسة السنة الماضية والتدافع الذي راح ضحيته مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى وشكوك بأن الأحداث كانت مفتعلة لاستهداف هؤلاء المسؤولين واختفاء آخرين. وهكذا يلقي الخلاف الاستراتيجي والسياسي والعقائدي بين المملكة والجمهورية الإسلامية بظلاله على موسم الحج، ويعود بالذاكرة إلى سنوات مضت عندما منعت المملكة الإيرانيين من أداء مناسك الحج والعمرة، ويسيس مرة أخرى الحج، مثلما حدث سنة 1987 بعدما عرف بأحداث مكة التي راح ضحيتها أزيد من 400 شخص، أغلبهم إيرانيون، واتهمت إيران الأمن السعودي بقتل المتظاهرين، وانتهت الأحداث بقطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، ومقاطعة إيران لموسم الحج ولم تعد إلى الحج إلا سنة 1991. هل ستحذو البلدان الإسلامية الأخرى، التي تضررت هذه السنوات من عداء السعودية، مثل اليمن وسوريا، وحتى بلادنا نفسها، حذو إيران، وتجمد حضور حجاجها موسم الحج، خاصة بعدما فضحت أوراق بنما الملك سلمان، بأنه مول حملة الصهيوني نتنياهو؟ فأموال الحجيج هي بالدرجة الأولى أموال المسلمين عامة، فكيف يسمح الملك بصرفها على العدو المحتل الذي يحتل فلسطين وينكل يوميا بشعبها؟! طبعا إيران لم تفصح على النوايا الحقيقية لهذه المقاطعة، وقد يكون وفدها صعد من شروط الشعائر التي تمارسها البعثة الإيرانية، فإيران وهي تعرف حاليا أن أمريكا بدأت تغسل يديها من المملكة السعودية، أرادت تصعيد العداء سياسيا، لتدعم مخطط فصل الأراضي المقدسة عن المملكة، وجعلها تحت ”حكومة” شبيهة بالفاتيكان في روما. وقد استغلت أحداث السنة الماضية التي كان أغلب ضحاياها إيرانيين، لتطرح من جديد هذا المطلب للنقاش، خاصة بعدما احتدم الصراع في السنوات الأخيرة بين شيعة وسنة، وطرح العداء بين المذهبين على شاشات الفضائيات، وزاد أكثر منذ الأزمة السورية والاتفاقيات الإيرانية والاتحاد الأوروبي، والتقارب الأمريكي الإيراني الذي اعتبرته المملكة طعنة في الظهر وتنكر لكل الخدمات الجليلة التي قدمتها لأمريكا طوال سنوات ومنذ اتفاق على ظهر السفينة سنة 1945، وزادتها اليوم طعنة أخرى عندما وافق الكنغرس بالإجماع على قانون يسمح بمتابعة آل سعود بتهمة تمويل الإرهابيين الذين استهدفوا أمريكا في أحداث 11/ 9. على كلّ، إيران اتخذت قرارا جريئا ومهما في هذه الظرف، وحتى إن اختلفنا مع خلفيته، فإنه يعطي البلدان الأخرى المتضررة من البلاء السعودي الشجاعة على الحذو حذوها.